تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نحو مراجعة لنقيصة الشخصنة

شؤون سياسية
الثلاثاء 21-2-2012
بقلم: علي الصيوان

ليس في القضم الاسرائيلي للأقصى المبارك من طريق باب المغاربة مفارقة. فهذه تتكون من الامتناع عن فعل ما هو متاح.

المفارقة هي امتناع لجنة مبادرة السلام العربية عن تخصيص جزء من وقتها لتدارس الموقف, وفي السكوت عن قول الحق في الهجوم الاسرائيلي على مقدسات فلسطين, وبشكل خاص على حق المواطنة لأهالي الأرض المحتلة 1948, في طريق التهويد الآيل إلى التطهير العرقي والترانسفير.‏

“اسرائيل” تلتقط اللحظة من هذه المفارقة العربية, وفقا لمتلازمة الإحجام العربي عن فعل ما هو متاح, إحجاما يستوجب تلقائيا إقداما اسرائيليا.‏

تعلّة لجنة مبادرة السلام العربية, وكذلك لجنة القدس برئاسة ملك المغرب, أن الأولوية في الشغل الشاغل هي لسورية, وليس لهذه ال...فلسطين وأقصاها!.‏

من حدد هذه الأولوية؟‏

هنا تنفتح بوابة المفارقات في المشهد العربي الراهن.‏

سبق لملك السعودية أن قال: إن مبادرة السلام العربية “لن تبقى إلى الأبد على الطاولة”. دون أن تهتز ثقته بالولايات المتحدة, التي يعود إليها وحدها, في قرارة نفسه, تقدير الأسباب الموجبة لسحبها, أو إبقائها. فالمبادرة مبادرته يوم كان وليا للعهد, وحملها إلى قمة بيروت العربية 2002, بالنص الحرفي الذي صاغه الأميركي توماس فريدمان دون أي إشارة إلى حق العودة.‏

لكن الرئيسين الأسد ولحود خربطا آنئذ حسابات صاحب السمو فالجلالة, بتضمينها حق العودة.‏

ولم تشهد السنوات العشر المنصرمة على إقرارها في قمة بيروت العربية خرقا ذا مغزى في ثقافة العقيدة القومية, رغم “وثيقة جنيف” 2003 التي وقعها ياسر عبد ربه, ورغم إشهار محمود عباس صيحته في وجه العرب ووجه نهج المقاومة العربي والفلسطيني بخاصة: “لا بديل للمفاوضات إلا المفاوضات”!.‏

المسكوت عنه في المشهد الراهن, هو السعي الحثيث لصناعة خرق في العقيدة القومية التي حملت إضافة حق العودة إلى مبادرة فريدمان الأميركي-الصهيوني.‏

والمؤمل لدى من تبنوا مبادرة فريدمان بنصها الأصلي, أن تسحب الأرض من تحت أقدام سورية ولبنان, كي يصير حق العودة غير ذي موضوع.‏

وهذا هدف “اسرائيل” الصريح الذي عزّ عليها تحقيقه بالسلاح صيف 2006, وشتاء 2009. وثمة من يحاول تحقيقه بالسياسة!!.‏

خاطفو الجامعة من ميثاقها بتجميد عضوية سورية جمدوا متابعة مبادرة السلام لكونهم ينهلون, وهنا المفارقة, من تغيير قواعد الاشتباك في المنطقة, بما يحل سورية محل “اسرائيل” في الاستهداف. وهم منهمكون إلى حد التشنج في تغيير قواعد الاشتباك على هذا النحو.‏

والمفارقة أن ثقة هؤلاء اهتزت برجل الدولة المسؤول الفريق الدابي, فتخطوه, وأهملوا تقريره عن الأحداث في سورية, ثم استغنوا عن بعثة المراقبين, ولكن هذه الثقة لم تهتز بواشنطن.!!‏

بيد أن هذه المخرجات في تغيير قواعد الاشتباك على هذا النحو, ذات منشأ في إجابة سؤال: من العدو؟‏

فلقد انزلقت بنى سياسية عربية منذ احتدام الصراع العربي-الصهيوني إلى العته والضلال عن أن العدو هو “النظام” الامبريالي العالمي.‏

ورغم 95 عاماً, ما زال بعض دول العرب ونخبهم الثقافية من يشخصن الصراع العربي-الصهيوني, فيشتم الوزير بلفور!.‏

وفي استطالات الشخصنة, ثمة من يرد العدوانية الامبريالية على سورية وفلسطين إلى ما يسميه, كالظواهري وسلفه, إلى... الحقد والصليبية!, في قفزة جاهل فوق الحقائق العيانية على مسرح التناقض التناحري بين الامبريالية والشعوب قاطبة.‏

الشيخ الشهيد عز الدين القسام تعالى على عته هؤلاء الجهلة من الحاكمين العرب ونخبهم الحارسة للضلال, فأطلق مقولته المفتاحية: “الانكليز هم العدو”.‏

الظواهري الذي انضم إلى التحشيد العدواني العسكري الامبريالي ضد سورية لم يستطع؛ بجهالته ومحدودية عقله, الارتقاء إلى ما عناه القسام, وهو أن الامبريالية, التي كانت تقودها انكلترا قبل الحرب العالمية الثانية هي العدو, وأن اليهود والصهاينة مجرد أداة, بقرينة أن الولايات المتحدة التي صارت المركز الامبريالي القائد بعد الحرب العالمية الثانية, قد صارت تلقائيا الحاضنة للحركة الصهيونية.‏

وكيلا نبقى ننقل أقدامنا من وهدة في الوحل إلى أخرى, يتوجب علينا نحن العرب, والسوريين والفلسطينيين خاصة, أن نقلع عن الشخصنة في قراءة الوقائع الموضوعية المستقلة عن نقيصة التصحر المعرفي, كيلا نعود إلى الارتهان لماكينة السوق الامبريالية في الاقتصاد, بعد أن يكف هذا “الغرب” عن عدوانيته المسلحة.‏

لأن هذا “الغرب” سيواصل عدوانيته ضد مصلحتنا السيادية بالسياسة, اذا أخفق في العسكرة.‏

والغرب ليس مسطحات جغرافية, بل هو نظام امبريالي يتعيش على خيرات الشعوب, وخيارات حكامها وترهات “نخبها”, الفاسدة التي تشخصن الديناميكية في عدوانيته بردها إلى خصال فردية في علم النفس مثل نقيصة الحقد الشخصية!!!.‏

فالشعوب التي تشدّ أزر سورية في معركة المجابهة الراهنة مع الهيمنة الامبريالية, إنما تفعل ذلك انطلاقا من قيم الكفاح المشترك ضد العدو الامبريالي الواحد, وليس بدافع الحب, نقيض الحقد في مفردات علم النفس.‏

والحاجة إلى مراجعة نقيصة الشخصنة تستمد راهنيتها من الحاجة إلى وقف الجري في الملعب الامبريالي, ووفق أجندته المتحولة من العسكرة إلى السياسة فالعسكرة, وهكذا دواليك على نحو ما يفعل الظواهري بعد سلفه بن لادن, المقبور على الطريقة الإسلامية بيد شيوخ الـC.I.A, أي الدوران في الحلقة المفرغة, بحكم العجز عن تعيين العدو.‏

SIWAN.ALI@GMAIL.COM

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية