تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


فيلم «الجلد الذي أحيا فيه»..حين يتحول العلم ليقتل إنسانيتنا.. بدلاً من حمايتنا!!

ثقافة
الثلاثاء 21-2-2012
آنا عزيز خضر

/الجلد الذي أحيا فيه /من الأفلام التي عرضته سينما الكندي بدمشق ضمن التظاهرات السينمائية المتعددة التي تقيمها مؤسسة السينما بشكل متواصل،

الفيلم الذي عرض ضمن تظاهرة أفلام الجوائز،نال العديد منها في مهرجانات عالمية، و يكفي هنا أن نذكر اسم مخرجه/ بيدور المودوفار/ حتى يتبادر للذهن حضور عناصر إبداعية مدهشة، تحملها حبكة سينمائية متميزة.‏

المخرج من أكثر السينمائيين شهرة على مستوى العالم، وله استخداماته الخاصة والآسرة للعناصر الدرامية،و بكل أبعادها و ألوانها و مجالاتها،كما تتميز أعماله بتوظيف خاص لمعطيات حياتية و ثقافية،فمن المعروف عن المخرج /المودوفار/بشكل أساسي، انه يترك لشخصياته التعبير عن نفسها، كي تتحدث من تلقاء نفسها عن بيئتها الموضوعية، التي أفرزتها، و كل ذلك في سياق عفوي و دون إملائية للرأي، أو وجهات النظر الحتمية المرسومة سلفا، لذلك شخصياته تصدر عوالمها و مشاكلها إلى المتلقي دون حدود.‏

من هنا انطلق فيلم /الجلد الذي أحيا فيه/ ليركز على إشكالية لطالما تكررت معالجاتها، لكنها اختلفت هنا بآلية تجسيدها، فقد ناقش الفيلم مسألة الحفاظ على شرف المهنة و المسؤولية العلمية، ثم ضرورة تلازمها مع الأخلاق جنبا إلى جنب، و ذلك لمواجهة الظروف التي تشدها إلى الخلف،حيث ظهرت بشاعة تحويل مسار استخدام العلم،من خدمة جليلة لصالح الإنسان وتطوره إلى آليات أنانية تترجم الغرور والاستكبار.‏

تتحول تلك الخدمة هنا إلى مساحة ضيقة وقاتمة، تدور في سياق فردي و أناني اعمي فقط،فها هو الدكتور الأكاديمي يسخر نجاحه و علمه لخدمة مآرب شخصية بشعة، فهو بعد أن كان يجري التجارب الطبية و العلمية، لإجراء تعديلات وراثية،من اجل الوصول إلى زراعة جلد يقاوم الأمراض لمساعدة زوجته،والتي أصيبت بحروق، شوهت جلدها نتيجة حادث سيارة،فيجري أبحاثاً، ولكن زوجته تنتحر، لأنها رأت تشوهها،وتراها ابنتها فتقلدها في عملية الانتحار.ولكن الاخيرة لاتموت بل تصاب بمرض نفسي، تقيم علاقة مع احد الشبان، ونتيجة لذلك تتأزم حالتها النفسية،و تقتل نفسها فيحسب الأب أن الشاب اغتصب ابنته،و رغم أن الأخير حاول توضيح ما حصل، و رغم معرفة الدكتور بالحقائق، فانه يسير في طريق الانتقام من ذلك الشاب، فيخطفه ويعذبه،ثم يستخدم تميزه العلمي لتحويله إلى فتاة... فيجري له عمليات جراحية و تجميلية، ويقوم بزرع جلد له يصبح بعدها شبيهاً بزوجته المتوفاة، يسير الدكتور بذلك الطريق متجاهلا أي معيار أخلاقي، أو حتى الانضباط بأي رادع،أما ذاك الشاب يظهر له المودة حتى يخرجه، من سجنه الفريد ثم يقتله هو و أمه، ردا على ما فعله به، لان انتقام الدكتور الشخصي،كان فريدا من نوعه و بشعا، ففي سياق الفيلم يتم التعامل مع تلك العمليات الجراحية،بشكل تلقائي يثير الخوف و الاستهجان، ويتضح للمتلقي الفجاجة و القسوة المغرقة،يحملهما أسلوب فني خاص، يرافقه الفخامة في الديكور، ثم استخدام أدوات تكنولوجية متقدمة تتوازى طريقة تلقائية استخدامها، مع الطريقة التي تعامل بها ذاك الدكتور، و كأنه هو ذاته تحول إلى آلة يتصرف دون أدنى إحساس، فتتبلور حالة تغريبية، تفصل المتلقي عن تلك الأجواء، فهي مرفوضة عنده، رغم تقنياتها المتطورة و المبهرة، والتي تتوازى مع الحالة ككل، تلك الحالة الخاوية و الجوفاء من أي مشاعر إنسانية، والتي تتصاعد وتتطور دوما بميكانيكية بشعة،و رغم ذلك صاغ الفيلم مشاهده السينمائية بشكل خلاق، تتداخل فيه تشكيلات سينمائية، إلى جانب لوحات تشكيلية كبيرة تفترش جدران فيلا الطبيب، و تسيطر بحضورها كأحد أهم مميزات الأجواء الدرامية ككل، وقد صيغت مشاهد بصرية بمكوناتها وكوادرها، مشابهة لتلك اللوحات في مواقع كثيرة من العرض السينمائي، فظهرت بعض مشاهد الفيلم رغم قسوتها، كأنها لوحات بجمالياتها و تفاصيلها وتشكيلاتها المنتقاة وممثليها، صاغتها فنيا عين مبدعة بحق، أما الدراما المخيفة والغريبة أحيانا، طغت عليها الجماليات التقنية والفنية والأسلوبية،والتي دعت للتفكير مليا في مقولة الفيلم، حيث وجهت إلى خطورة حضور تلك الآليات في حياتنا، و خطورة التعامل معها بذاك الاستسهال، وكأن الحالة أمر عادي، و على ما يبدو هناك تخوف من الوصول إليها،خصوصا في غياب المعايير الأخلاقية، فيتحول العلم من أداة تحمي الإنسان،إلى أداة تقتل إنسانيته.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية