تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المراوحة في المكان

منطقة حرة
الثلاثاء 21-2-2012
مروان دراج

في غالبية دول العالم , هناك نهضة غير عادية في كل ما يتعلق بتسيير ومتابعة الشؤون الإدارية للمواطنين , سواء تعلق الأمر بالأحوال المدنية مثل تسجيل المواليد الجدد

أو في متابعة معاملة بعينها تتعلق بقضايا مثل الزواج والطلاق أو الحصول على وثائق محددة وثيقة الصلة بالأنشطة التجارية والصناعية , وكان قد ساعد على هذه الثورة المباغتة في إنهاض المؤسسات العامة والخاصة إداريا , ما تركته ثورة المعلوماتية من بصمات ايجابية فاقت حدود التوقعات , فما كان يبدد من ورق وحبر ومراسلات بدائية ومراجعة أشخاص بعينهم للحصول على تأشيرة أو توقيع أو موافقة على شأن بعينه , كل ذلك أصبح من الماضي, إذ يكفي مراجعة دائرة محددة وموظف واحد ومرجعية بعينها كي تسير المعاملة وخلال فترة زمنية قد لا تتجاوز الدقائق أو الساعات في أحسن الأحوال , ذلك أن النافذة الواحدة وفي أي شأن كان قادرة على تلبية حاجات الناس بأيسر السبل وأسهلها ودون الحاجة لا لمعقب المعاملات ولا لأشخاص يمتلكون المحسوبية والنفوذ , وبالمناسبة كل ذلك لم يكن وليد الأمس القريب , وإنما بات من منسيات الربع الأخير من القرن الماضي ....والسؤال المشروع : أين نحن اليوم من مثل هذا الارتقاء في مؤسساتنا العامة ..وهل كان شعار الإصلاح الإداري واقعا مشخصا على الأرض أم هو مجرد كلام معسول للتخفيف ما أمكن من حملات النقد المكثفة التي طالت غالبية المرجعيات الإدارية العامة ؟!‏

ليس من المقبول ولا بأي شكل من الأشكال أن تبقى معظم مؤسساتنا العامة تدار بعقلية عنوانها الأساسي الوعود ثم الوعود والتسويف, وما نعنيه في هذا الكلام ,أنه قبل سنوات قليلة مضت، تبارت شريحة من المسؤولين في إطلاق تصريحات تشير إلى ضرورة إحداث تبدلات جذرية في آليات التعاطي الإداري مع المواطنين وأيضاً بين المرجعيات الرسمية نفسها، وهناك من حاول ابتكار مصطلحات وعبارات تؤكد في غالبيتها، بأنّ ثمة نيات جادة للحد من الروتين والبيروقراطية والتخلص من كل ما له علاقة بالورقيات وتعدد المرجعيات في إنجاز المعاملات الرسمية، وكل هذا كان قد جاء في وقت لم يعد مقبولاً فيه التعاطي مع لغة الورقيات التي أكل عليها الزمان وشرب.. ولكن للأسف هذه التصريحات والوعود لم يكن حصادها سوى القبض على الريح، أي بدل أن نشهد تبدلات فعلية لجهة الإصلاح الإداري، فإنّ مظاهر الروتين والبيروقراطية ازدادت اتساعاً، وبات من شبه المألوف أن يتأفف المواطن العادي كلما دعت الضرورة إلى مراجعة أية دائرة رسمية لإنجاز معاملة بعينها، وهاجس الخوف الذي يسكنه لأنه سيذهب إلى رحلة طويلة تشبه الدخول في متاهة .‏

ولعل مقياس نجاح التنمية الإدارية، ليس مرهوناً فقط في إحداث تغيير في آليات العمل اليومي بين المؤسسات والأفراد، وإنما لا بدّ من نجاحها أيضاً في الأداء اليومي للمؤسسات التي تسهم وبشكل مباشر في رفع وتائر النهوض التنموي والاقتصادي والخدمي، فبعض المؤسسات إن لم نقل غالبيتها، لم تتمكن خلال السنوات الأخيرة من توظيف الاستثمارات الواردة في بند الإنفاق الاستثماري بسبب تراكم العجز الإداري، فبعض المشاريع تتوقف عن العمل بسبب تعقيد التعاملات المصرفية أو التلكؤ في إصدار قرار من هذه الجهة الرسمية أو تلك، ومناقصات كثيرة يعلن عنها وتلغى أو تؤجل أكثر من مرة، نتيجة الاكتشاف المتأخر لبعض الأخطاء في دفتر الشروط أو لأسباب أخرى ناجمة عن غياب الكفاءات التي تناط بها مسؤولية اعداد خطط وبرامج بعض المؤسسات والمرجعيات العامة , كما أن مئات المستثمرين الذين جاؤوا من بلدان الاغتراب سبق لهم التأكيد , أنهم اضطروا إلى إلغاء فكرة إحداث بعض المشاريع بسبب تخلف الأداء الإداري وأساليب الروتين والبيروقراطية التي تعرضهم للابتزاز المعلن .‏

واقع الحال يقول: لا بد من السعي لإعادة تقويم تجربة الإصلاح الإداري من خلال الاستفادة من الأخطاء والمعوقات السابقة ، وبالمناسبة التقويم الذي نرمي إليه، لا يعني عقد الاجتماعات وتنظيم الندوات والمضي مرة أخرى بسياسة الوعود وإعادة إنتاج الخطط والبرامج الجذابة ذات المضمون اللغوي المعسول، وإنما لابدّ من خطة عمل تتكئ في مضامينها على الاعتراف أولاً بأنّ ثمة ضرورة تستوجب مناقشة مكامن الضعف والأسباب التي تجعل قاطرة الإصلاح الإداري تبقى في محطتها الأولى دون أن تتحرك.‏

">marwandj@hotmail.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية