تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عن المـــــــادة الثالثة وأخواتها

الأخيــــــرة
الثلاثاء 21-2-2012
سعد القاسم

للمرة الرابعة منذ تحررهم من الاحتلال الفرنسي،يناقش السوريون دستوراً لبلادهم،المرة الأولى كانت عام 1950 مع الدستور الذي أقرته الجمعية التأسيسية برئاسة السيد رشدي كيخيا.

والمرة الثانية كانت عام 1958 بعد قيام الوحدة مع مصر وإعلان الجمهورية العربية المتحدة،والمرة الثالثة عام 1973 حين تم الاستفتاء على الدستور الحالي،والمرة الرابعة منذ إعلان مشروع الدستور الجديد قبل أيام..‏

وقد يكون الدستور الجديد هو الأكثر إثارة للجدل بين أسلافه،مع أنه يحافظ على الكثير من الخطوط الرئيسية معها،فالدستور الأول مر دون اعتراضات تذكر،ودستور الجمهورية العربية المتحدة نال تأييداً تاماً في فورة الحماسة الشعبية للوحدة ولقيادة الرئيس جمال عبد الناصر،أما دستور 1973 (الحالي) فقد واجهت مادة واحدة منه اعتراضات مؤثرة ما أدى إلى تعديلها،فيما لقيت مادة غيرها تتعلق بالهيكلية السياسية للحكم تحفظات خجولة لم تتعد المحيط الضيق لأصحابها،وبالتالي فقد تم إقرار الدستور بأغلبية شعبية واسعة..‏

ما هاتان المادتان ؟ قد يسأل سائل لم تسعفه ذاكرته أو لم يشهد الحدث..‏

قبل الإجابة لنسترجع بعض الوقائع المتعلقة بالدستور الجديد،والتي بدأت مع بدايات الواقع السوري الراهن حين ارتفعت الأصوات المطالبة بإلغاء المادة الثامنة من الدستور الحالي التي تقرر أن حزب البعث هو الحزب القائد في المجتمع و الدولة،وهذا يعني في الواقع العملي تغيير شكل النظام الحالي كلياً بالانتقال من حكم الحزب الواحد (القائد أيضاً لمجموعة من الأحزاب المنضوية في الجبهة الوطنية التقدمية) إلى نظام التعددية السياسية.غير أن الرئيس بشار الأسد قد تقدم على هذا المطلب بفكرة تغيير الدستور بأكمله بما يتناسب مع التطورات الحاصلة في العقود الماضية،وبما يستجيب لدعوات التغيير.وأنجزت لجنة خاصة مشروع الدستور الجديد ،ومع إعلان تفاصيله (وربما قبل ذلك) بدأت تعلو أصوات معترضة على بعض مواده،بعضها تتناسب مع أهميته كناظم لسياسة البلد،وبعضها الآخر بخفة الاعتراض لمجرد الاعتراض.‏

أكثر المواد التي طالها الجدل هي المادة الثالثة التي تحدد دين رئيس الدولة بالإسلام وقد رأى المعترضون أنها تتناقض مع مبدأ المساواة بين المواطنين الذي أقره مشروع الدستور ذاته ،وهي وجهة نظر جديرة بالاحترام, فيما غاب إلغاء المادة الثامنة عن الحديث رغم كونها المطلب الأكثر طرحاً !!‏

ونعود إلى السؤال السابق،وإلى المادة التي واجهت اعتراضاً شعبياً في دستور 1973 فتم تعديلها،وإلى المادة التي قوبلت بتحفظ خجول وأقرت،وأجيب أن الأولى هي المادة الثالثة ذاتها، والثانية هي المادة الثامنة.ففي مشروع دستور 1973 لم يكن دين رئيس الجمهورية محدداً،فحصلت احتجاجات شعبية في غير منطقة من سورية،وخاض الرئيس الراحل حافظ الأسد حوارات طويلة مع فعاليات اجتماعية حول مفهوم دين الدولة وبنتيجتها تم تعديل المادة الثالثة إلى الشكل الذي صارت إليه.‏

على المستوى الشخصي أتمنى أن يتم الاستفتاء على المادة الثالثة بشكل مستقل،أما وأن الأمر صعب التحقق فأنا مع التصويت للدستور الجديد بأكمله،لأنه بكل الأحوال متقدم على ما سبقه،وعسى أن ينجح السوريون في المستقبل بالاتفاق على تغيير المواد التي يجدون أنها لا تتناسب مع إجماعهم الوطني..‏

www.facebook.com/saad.alkassem

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية