تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


محمد عيسى.. ليـس ثمـة قصيـدة دون فكــرة

ثقافة
الثلاثاء16 -2-2016
علي الراعي

وكأني بالشاعر محمد عيسى، حينما يبني قصائده، يجلسُ متأملاً «المأثور» من الكلام، الذي يبدو له «مأسوراً» في تلك الجمل الجاهزة والنهائية؛ فيروحُ يُناكفها، ويفكُّ لها قيودها،

‏‏‏‏

محرراً إياها من سياقاتها، وأطرها المحجوزة فيه من دهور بعيدة؛ ليبني من حجارتها - مفردتها التي هدمها عمارة القصيدة الجديدة.‏‏‏

تلك بعضٌ من ملامح القول الشعري في قصيدة محمد عيسى، الذي يكتب نصوصه دون جعجعة، أو ادعّاء محاولاً أن يُضيف ملمحاً جمالياً ضمن النسق الشعري في ديوان القصيدة الجديد في سورية.‏‏‏‏

وملامح القصيدة عند الشاعر محمد عيسى، لا تقفُ عند هذا الملمحُ وحسب؛ بل يصرّ على كتابة القصيدة بعيداً عن «الولولة» والبكائية التي كانت من أبرز سمات القصيدة السورية، وهي العادة المزمنة في الشعر العربي، فاتجه بعيداً عن النواح؛ صوب رسم بسمةً ما على الشفاه، رغم وشاح الحزن الشفيف والخيبة التي كانت حافزاً لتوليد المتعة القادمة من تلك النغمة الساخرة، والتهكم الجميل الذي يأتي «كملاط» يربط بين مداميك القصيدة لدى الشاعر محمد عيسى، وبين مجموعاته الشعرية بشكلٍ عام.‏‏‏‏

ذلك أن الشاعر الـ «عيسى» وعى مُبكراً مهمة القصيدة، ان لم يكن أهم أغراضها اليوم؛ وهي تقديم المتعة، رغم أن محمد عيسى يوصي أنه: على الشاعر الاستفادة من كل نشاطات الحياة بما فيها السياسة ومصطلحاتها، ولكن عليه توخّي الحذر، حتى لايقع في مطب الرؤية العقائدية الضيقة كحالة احتجاجية توصيفية، فالأصح أن ينطلق من الهمّ الإنساني والوطني المعيش هذا من ناحية.‏‏‏‏

ومن ناحية أخرى، على الأديب ألا يُعفي نفسه من الشأن السياسي والوطني كونه يعمل في الأدب، فالسياسة جزء مهم من المعرفة الإنسانية, وتزيد النص الأدبي ثراءً، كما المعرفة الفلسفية والتاريخية والأدبية والفنية والميثولوجية والنفسية، بل وحتى علم الفضاء والحيوان والنبات إلخ.. فكل هذه المعارف ضرورية لمن يشتغل بالأدب، ليكون النص ملماً بمجمل ضرورات الهم الإنساني وقضيته الوجودية، أو بتعبير آخر, مستأنساً بجميع هذه الفضاءات، وهنا قد تأتي مرحلة ما، يتقدم فيها الجانب السياسي، أو الإنساني، وأخرى قد يطغى فيها موضوع الحب، أو الإحباط العام، تبعاً للحاجات التي يطرحها الواقع، وهذا مااحتفت به تجربة الشاعر محمد عيسى على مدى البياض، فهو لايستدعي القصيدة ولا يتوسل إليها، يكتبها ليتخلص من نقها ونكوشاتها، ويريح ذهنه من حملها - كما يُردد دائماً - وما يقصده هنا هو موضوع القصيدة أو فكرتها، فهو لا يُفضل كتابة قصيدة من دون فكرة جديدة.‏‏‏‏

فكان له: «مائدة البراري، شيء ما، ورتوش ما بعد العاصفة»؛ تجربة لاتزال تتصاعد في خطها البياني صوب أحلى الكلام؛ الذي نقرأ منه اليوم في زاوية ديوان الشعر الجديد في سورية:‏‏‏‏

وطنكم صيدٌ ثمين‏‏‏‏

وطني... زر مقطوع‏‏‏‏

أشد عليه قبضتي.‏‏‏‏

  ‏‏‏‏

سأطلق ماعز القصيدة‏‏‏‏

أشمّر الريح عن ساقي‏‏‏‏

أسرح النهار بطوله‏‏‏‏

راكضاً خلف القطيع..‏‏‏‏

من تيس الصباح‏‏‏‏

إلى فحل المساء‏‏‏‏

  ‏‏‏‏

نجوم تثقب العتمة..‏‏‏‏

بمسمار ضوئها‏‏‏‏

لليقين شرايين متاهة‏‏‏‏

وخفوتٌ يجس الوضوح بإصبعه المرتجفة‏‏‏‏

تَزّنر بما أوتيتَ من شك..‏‏‏‏

واترك بغل الحقيقة يرفس الهواء‏‏‏‏

ثم يعضُّ على سنديانة اليقين‏‏‏‏

الأرض حصيرة للتلاقي‏‏‏‏

سجادة في صالون الكون‏‏‏‏

كروية المزاج‏‏‏‏

حقاً.. ماذا عن كروية الحب؟‏‏‏‏

تفاحة نيوتن لا تشبه تفاحة النهد‏‏‏‏

التفاحة سقطت‏‏‏‏

وبقي النهد معلقاً..‏‏‏‏

على سَموك الجسد.‏‏‏‏

  ‏‏‏‏

أعد لي هذا الشيء الذي خبأته‏‏‏‏

بأم عيني رأيتك‏‏‏‏

وأنت تدسه في عبّك‏‏‏‏

ومازلت تدّعي‏‏‏‏

بأنه قلبك ؟!‏‏‏‏

  ‏‏‏‏

ذات يومٍ سأكتب قصيدةُ‏‏‏‏

أعاتبُ فيها ملك آشور:‏‏‏‏

يا جلالة الملك‏‏‏‏

لقد أخطأت‏‏‏‏

حين سبيتهم وتركتنا‏‏‏‏

آه.. آهٍ يا جلالة الملك‏‏‏‏

لو أنك تركتهم‏‏‏‏

وأخذتنا سبايا‏‏‏‏

لو أنك فعلتها يا جلالة الملك‏‏‏‏

لكان لنا الآن أمة‏‏‏‏

  ‏‏‏‏

لأن النرجسة تحني رأسها فوق الماء‏‏‏‏

نتهمها بالأنانية‏‏‏‏

نظنها مفتونةً بالتطلع‏‏‏‏

إلى جمال صورتها‏‏‏‏

فيما هي تتأمل‏‏‏‏

المكان فيه‏‏‏ ستسقط‏‏‏

alraee67@gmail.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية