تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أيـــن ضميرنـــا؟!

موقع : THE NATION
ترجمة
الأثنين 13-7-2009م
ترجمة: ليندا سكوتي

أنا يهودي اسرائيلي اسمي إزرا ناوعي، وستصدر المحكمة الإسرائيلية حكمها الجائر بحقي في شهر تموز بدعوى التهجم على اثنين من رجال الشرطة في عام 2007.

لكن الواقع الفعلي يؤكد أن كل ما فعلته يقتصر على وقوفي بوجه المحاولات الرامية إلى هدم أحد بيوت الفلسطينيين في أم الحير الواقعة في الجزء الجنوبي في الضفة الغربية، ويثبت أن رجال الشرطة الذين وجهوا إلي تهمة مهاجمتهم كانوا كذابين، لأنه لم يسبق لي مهاجمة أحد. لكن ماذا نقول وقد أصبح الكذب متفشيا لدى الكثير سواء في قوات الشرطة الإسرائيلية، أم القوات العسكرية، أم المستوطنين اليهود؟‏

تلقى المسؤولون في إسرائيل ما يزيد عن 140,000 رسالة جميعها تشجب الإجراءات المتخذة بحقي، وتعرب عن تأييد ما أقوم به من نشاطات في الضفة الغربية. لكن وزير العدل أجاب على تلك الرسائل باتهامي أني دأبت على التحريض وإثارة السكان المحليين في أم الحير. وبذلك فلم تكن إجابته سوى انعكاس لثقافة الكذب والخداع المتفشية لدى المسؤولين التي اعتمدوها في مناقشاتهم وحواراتهم الرسمية بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة.‏

يجول في خاطري عدد من الأسئلة لعل المسؤولين يجدون الإجابة عليها:‏

هل قمت بتسميم وتدمير آبار المياه التي يعتمد عليها الفلسطينيون؟‏

هل قمت بالاعتداء والضرب والإيذاء للأطفال وكبار السن من الفلسطينيين؟‏

هل قمت بتسميم مواشي السكان الفلسطينيين؟‏

هل قمت بتدمير البيوت وتحطيم الجرارات العائدة للسكان الفلسطينيين؟‏

هل قمت بقطع الطرق وتقييد حركة السكان؟‏

هل عمدت الى قطع المياه والكهرباء عن بيوت المواطنين الفلسطينيين؟‏

هل قمت بمنع الفلسطينيين من إعادة بناء بيوتهم؟‏

لقد شاهدت بأم عيني، على مدى السنوات الثماني الماضية، كل تلك الانتهاكات التي ذكرتها أعلاه، وأعلمت الشعب بما يحصل جراءها، لذلك اعتبروني محرضا. لكني لاأشعر بأي أسى من ذلك الوصف الذي نعتوني به، بل أشعر بالفخر والاعتزاز أن أكون فعلا بتلك الصفة، على الرغم من الثمن الباهظ الذي دفعته حيال ذلك عبر ما تعرضت إليه من تهديد وضرب واعتقال من قبل الشرطة وأنصارها في العديد من المناسبات. ولأني لم ارتدع ولم أخش من الإساءات بل استمررت في شرح موقفي للمواطنين، لذلك فإن الشرطة الإسرائيلية لم تتورع عن كيل التهم البذيئة لي، ووصفي أني رجل سيىء. ولم يكتفوا بذلك فحسب، بل عمدوا أيضا الى نشر الإشاعات بين الفلسطينيين بأني مصاب بمرض الإيدز.‏

هل تعلمون لمَ يتعاملون معي بتلك الطريقة الظالمة التي ترمي إلى عزلي عن وسطي الذي عشت به؟ كل ذلك كان لأني أنحدر من الجاليات اليهودية التي كانت مقيمة في العالمين العربي والإسلامي، ولأني لا أنتمي إلى طبقة النخبة في المجتمع الإسرائيلي، ولأني أرفض الموافقة على فكرة السلام التي تطرحها إسرائيل. وبالتحديد والصراحة لكوني لا أنحدر من اليهود الأشكيناز.‏

من دواعي الاستغراب، أن نجد أن ضباط الشرطة الذين يقدمون على اعتقالي بين الحين والأخر ينتمون إلى ذات الطبقة الاجتماعية التي أنتمي إليها، ويتكلمون بذات الأسلوب واللكنة، ويقعون في ذات الأخطاء بلفظ كلمات كثيرة، ونمتلك معاً خلفية تاريخية متشابهة. وعلى الرغم من علمهم ومعرفتهم بهذا التشابه وبأمور كثيرة تشكل قواسم مشتركة بيننا، فقد استمروا ينظرون إلي باعتباري أقف في الجانب الأخر، أي أقف إلى جانب الفلسطينيين. تلك الحقيقة تثير غضبهم ما يجعلهم يعمدون إلى تشويه سمعتي لأنهم يرون فيّ تهديدا يقوض مفاهيمهم وأفكارهم التي يسعون دائبين الى نقلها للعالم أجمع.‏

يؤكد الواقع أن رجال الشرطة الإسرائيلية ليسوا سوى مجرد ممثلين على خشبة المسرح، ويشاركهم في تمثيل المسرحية كل من القوات العسكرية والإدارة المدنية والنظام القضائي، وكلهم في واقعهم يخضعون للأوامر التي يتلقونها من سادتهم المستوطنين اليهود.‏

إن هذا التحالف القائم بين تلك الفئات يشكل أمرا خطيرا جدا لأنه بالنسبة لهم جميعا يقوم على فكرة (الغاية تبرر الوسيلة)، تلك الغاية التي تتمثل بالسيطرة الكاملة على الأراضي، لذلك فإنهم في سبيل تحقيق هذا الهدف لا يتورعون عن نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين الذي ينظرون إليهم بأنهم ليسوا بشراً. الأمر الذي يجعل كل شيء مسموح القيام به ضدهم، حيث بإمكانهم سرقة أرضهم ومياههم، وتدمير بيوتهم، وسجنهم دون سبب، بل إنهم في بعض الأحيان يجيزون قتلهم وسفك دمائهم.‏

إن الشر والحقد الذي نشاهده باستمرار في الضفة الغربية لم يكن يحصل لولا النظام الذي تتبعه المحاكم الإسرائيلية، ذلك النظام الذي أتاح للقاضية إلاتا زيسكايند أن تجد في تصرفاتي جرماً ينبغي أن أحاسب عليه، وأن يحضر مترجم لترجمة ما أقوله في المحكمة على الرغم من كوني أتكلم اللغة العبرية بكفاءة، ذلك لأنها تنظر إليّ من زاوية واحدة هي كوني فلسطينياً عربياً، والعرب هم دوما مذنبون. وإني في واقع الأمر لست سوى نموذج عن غيري من اليهود الذين ينحدرون من أصول عربية.أما بالنسبة للجرائم المرتكبة من الدولة وعملائها في الأراضي على مدى العقود الأربعة الماضية فلم يحاسب القضاء مرتكبيها، لأن المحاكم الإسرائيلية تعتبر تلك الجرائم مباحة وفقا لوجهة نظرهم.‏

ينسب إليّ أني أمارس تحريض المواطنين، لذلك فإني أتعرض باستمرار للمضايقة. لكن ذلك لن يثنيني عن المواقف التي دأبت على اتخاذها، وسأبقى متمسكا بها مستمدا القوة والعزم والتصميم من الدعم المستمر الذي أتلقاه من حلفائي السياسيين. فعندما قام المستوطنون بضربي وسرقة سيارتي واعتقالي لم أشعر أني لوحدي لأني أعلم جيدا أن هناك الآلاف من الأشخاص في إسرائيل وخارجها يؤيدون اليهود العرب ضد الاحتلال. كما أني على ثقة تامة أنه في الأوقات العصيبة سيقف إلى جانبي الكثير من الأصدقاء الذين يمكنني الاعتماد عليهم في الملمات.‏

8/7/2009‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية