|
علوم وبيئة إذ تصبح الزراعة أقل قدرةً على التكيف مع التغيرات البيئية مثل الاحتباس الحراري أو الجفاف أو التصحر أو ظهور آفاتٍ وأمراض جديدة.لا شك في أن التنوع الحيوي يتعرض إلى صعوبات كثيرة ويتناقص بشكل كبير لأسباب منها تدمير أو تعديل بيئة الكائنات الحية، والاستغلال المفرط للموارد و التلوث الكبير إذ أثرت المبيدات في أنواع كثيرة من الطيور والكائنات الحية الأخرى إضافة إلىتلوث الهواء و المياه.
لكن الإرهاب المنظم الذي مورس بحق سورية نال حتى من طبيعتها الجميلة أكثر من الأسباب السابقة ، ووصل الأمر إلى الغابات والحراج والمحميات وأبراج المراقبة وتعرض الغطاء النباتي في غابات القطر إلى التدهور بسبب عمليات التخريب التي تقوم بها المجموعات المسلحة وطالت الاعتداءات النباتات الحولية والمعمرة والنباتات الطبية والعطرية والتزيينية ما أضر بالتنوع الحيوي واختفاء الكائنات الحية الحيوانية التي تقطن تلك الموائل. فالعناصر المسلحة أضرمت النار في عدة مواقع حراجية والأكثر من ذلك منعت عمال إطفاء الحرائق من الوصول إلى هذه المواقع لإخماد الحريق فعلى سبيل المثال.. ما تعرضت له المناطق القريبة من محمية الفرنلق في اللاذقية فقد طالها الحريق حوالي 12 مرة، إضافة إلى 45 حريقاً في اللاذقية لم يتمكن عمال الإطفاء من التدخل بسبب انتشار المجموعات المسلحة، كذلك منع انتشار هذه العناصر في المواقع الحراجية والغابات من تحديد المساحة المحروقة والأنواع المتضررة بسبب عدم إمكانية الدخول إلى تلك المناطق. أيضاً تعرضت مواقع الغابات في إدلب في كل من جسر الشغور والزعينية وبكسريا لعمليات حرق من المجموعات المسلحة وقدرت المساحة بـ 581.5 هكتاراً والخشب الصناعي المحروق بـ 5974 طناً وخشب الوقود 1780 طناً.. كذلك طالت الحرائق موقع تل الصوان الحراجي شمال قرية طرنجة ولم تستطع فرق الإطفاء التدخل بسبب وجود المسلحين وتقدر المساحة المحروقة بـ 16 هكتاراً... كما تعرضت مناطق طير جبة، دوير المشايخ، والرصافة في حماة لحرائق من العناصر المسلحة وقدرت المساحة بحوالي 20 دونماً. فمنذ بداية الأزمة في سورية شكلت المناطق الغابية مخبأً ملائماً للمجموعات المسلحة للتواري عن الأنظار، نتيجة كثافة المجموع الخضري لتيجان الأشجار، فكثيراً ما كانت هذه المجموعات تقوم بافتعال الحرائق لإشغال الجهات المختصة بمكافحتها وفي الوقت نفسه يتم مرور مجموعات مسلحة من مناطق أخرى يغطيها الدخان..لذلك أتت الحرائق على الكثير من الغابات وحسب معطيات وزارة الدولة لشؤون البيئة فإن القيمة الاقتصادية لشجرة متوسطة العمر عمرها حوالي 50 سنة قدرت بـ 196,250 ألف دولار أمريكي، أي إن الخسارة المادية كبيرة، علماً بأن استعادة هذه الغابات تتطلب مئات السنين... كما أن الاعتداءات المتكررة على خطوط نقل المشتقات النفطية التي تزود محطات نقل الطاقة أدت إلى انقطاع التيار الكهربائي ولجوء العديد من السكان إلى القطع الجائر للأشجار الحراجية لاستخدامها في عمليات التدفئة، وهذا ما حدث في عدة مواقع إذ طالت الاعتداءات غابات البطم الأطلسي ما أدى إلى خسائر كبيرة في الثروة الغابية. ومع كل ما تقدمه الغابات من فوائد اقتصادية وبيئية وجمالية فإن الاعتداءات عليها لا تتوقف..
وحسب مصادر وزارة الزراعة فإن أشجار السنديان في سرغايا تعرضت لعمليات قطع جائرة، كما تعرضت أشجار البطم الأطلسي المعمرة والسرو والصنوبر في محمية جبل البلعاس إلى قطع جائر ويقدر عمرها بالمئات، كذلك الأمر في المناطق الحدودية في منطقة عفرين وخاصة الشريط الحدودي السوري- التركي فقد تعرضت الأشجار الحراجية إلى عملية قطع جائر. كما تعرضت أشجار البطم في محمية جبل عبد العزيز إلى الاعتداء والقطع مما سيؤثر في ازدياد تدهور الغطاء النباتي في المحمية. كما قامت مجموعة مخربة بقطع الأشجار الحراجية والمثمرة التي يبلغ عمرها عشرات السنين في جبل عين الزرقا والتلال المجاورة له غرب منطقة سلمية في حماة وأقدمت مجموعة مسلحة على قطع أشجار الصنوبر على مفرق الكندة في قرية تردين التابعة لمحافظة إدلب. واذا استمر قطع الأشجار الحراجية وتحويل الأراضي الحراجية التي تشكل بدورها نسبة ضئيلة من أراضي القطر إلى أراضٍ زراعية الأمر الذي سينعكس سلباً على واقع الحراج وتقليص المساحة الحراجية على حساب الأراضي الحراجية، ففي منطقة رسم التنباك في محمية جبل البلعاس في حماة قامت بعض المجموعات بكسر الأراضي الحراجية وفلاحتها بشكل كبير وزراعتها بالقمح والشعير، ولابد من الإشارة إلى أن عملية فلاحة التربة الغابوية وإزالتها تؤديان إلى تدهور التربة الحراجية التي تحتاج إلى آلاف السنين كي تتم إعادة تشكيلها.
وهذا ما يشير إليه المهندس بلال حايك مدير التنوع الحيوي والأراضي والمحميات في وزارة الدولة لشؤون البيئة عن الأخطار التي تهدد التنوع الحيوي والموارد الطبيعية ويؤكد أن الأنواع النباتية والحيوانية تتعرض إلى العديد من الأخطار أهمها التوسع الزراعي والصناعي والعمراني والرعي والاحتطاب والقطع وجمع النباتات الطبية والعطرية والتزيينية و الصيد وتجارة الأحياء غير المنظمة والأنواع المدخلة أو الغازية والمعدلة وراثياً والمبيدات والأسمدة والجفاف والتبدلات المناخية والحرائق المتعمدة وغير المتعمدة. وخاصة التي نفذتها المجموعات المسلحة. وتعد سورية معبراً حيوياً مهماً للعديد من الطيور المهاجرة خلال هجرتها السنوية، وقد أشارت الدراسات المحلية إلى وجود أكثر من 3000 نوع حيواني و 3150 نوعاً نباتياً في البيئة السورية، البعض منها نادر والبعض الآخر مهدد بالانقراض سواء أكان عالمياً أم محلياً, وهذا ليس بغريب لأن التنوع الحيوي استمر في التراجع وذلك بسبب التلوث والتغيرات المناخية وتدمير الموائل الطبيعية والنشاطات البشرية السلبية. ويشير المهندس الحايك إلى أن سورية انضمت إلى كل الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية الخاصة بحماية التنوع الحيوي، وتعمل على تحديث الاستراتيجية الوطنية وخطة العمل الخاصة بحماية التنوع الحيوي للفترة 2011-2020 ضمن أهداف عقد الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي. هذه الخسارة المكثفة للتنوع البيولوجي لها أكثر من مجرد تأثيرات جمالية، فكلما اختفى نبات أو حيوان تعرضنا نحن للخطر الى حد ما. فالنباتات، مثلاً، هي مصدر رئيسي لأدوية جديدة. واذا اعتمدنا على أنواع قليلة من المحاصيل، يكون هناك احتمال كبير أن تفتك بها الأمراض والآفات. وفي ظل الأزمة السورية أو الحرب على سورية نعترف أن بيئتنا الطبيعية ومحمياتنا وتنوعنا الحيوي أصيبت في الصميم وكأن البعض أراد الانتقام من الشجر والورد وحتى مكونات المحميات فحرقوا وسرقوا وقتلوا.. ويبقى السؤال: سورية للجميع وبيئتها وطبيعتها ومكوناتها وتنوعها الحيوي للجميع فلماذا الإجرام بحقها؟ |
|