|
شؤون سياسية نحاول هنا التقاط الخيط الفكري الجامع بين الكتابين حيث ناقش المؤلف في كتابه الأول - -قيمنا المهددة- في العديد من المفاهيم والسلوكيات الأميركية المعاصرة التي رأى فيها تهديدا للقيم والمبادئ الأميركية الراسخة وهو يمضي هنا خطوة اخرى للأمام بانتقاده لسياسات انحياز واشنطن الأعمى (لإسرائيل )ومساندتها الدائمة لها على حساب فلسطين والشعب العربي المقهور. الجدير بالذكر أن أهم ما ناقشه المؤلف في كتابه الأول - قيمنا المهددة- هذا التداخل الملحوظ بين السياسة والدين, بين الكنيسة والدولة الذي انتهجه - المحافظون الجدد- القائمون على تصريف شؤون الولايات المتحدة الأميركية الآن إضافة إلى انتقاده لمجمل السياسات الخارجية للمحافظين الجدد القائمة على مبدأ الاحادية والتمرد على جميع تقاليد العمل الجماعي الدولي التي تميزت بها أميركا عبر تاريخها الطويل, ومما انتقده كارتر في هذا الاطار تعويل المحافظين الجدد على القوة وحدها دون غيرها وتجاهل دور العمل الدبلوماسي وتأثير القوة الناعمة الأبقى والأبعد أثرا ونفوذا في العلاقات مع الأمم والشعوب. ولدى مغادرته البيت الأبيض اتجه كارتر إلى تفعيل دوره باعتباره ناشطا في قضايا السلام وربما متأثرا في ذلك لحصوله على جائزة نوبل للسلام فانخرط في الدعوة إلى احلال السلام الدائم المتفاوض عليه بين فلسطين و(إسرائيل ) شريطة أن يحقق هذا السلام الأمن (لإسرائيل) من جانب والكرامة والعدل اللذين يتطلع اليهما الفلسطينيون من الجانب الآخر. ومن هنا استمد الكتاب عنوانه الذي يشير إلى نفي واستهجان صيغة الفصل العنصري التي تبدو السياسات الرسمية الصهيونية أكثر ميلا وتفضيلا لها على صيغة التفاوض السلمي مع الفلسطينيين على أن جملة - الفصل العنصري- نفسها تنم عن خلاصة ما يستشعره الكاتب من حساسية بالغة تجاه السياسات التي تنتهجها (اسرائيل) بما يقارب بينها وبين نظام الفصل العنصري البغيض الذي ساد جنوب افريقيا على امتداد عدة قرون قبل أن ينهار اخيرا لتتحرر منه في ثورتها الشعبية العارمة في عقد التسعينيات, وفي هذه المقاربة ما يثير حنق وغضب الموالين للسياسات (الإسرائيلية) الأميركية الرسمية على كارتر ويدفعهم إلى دمغه بتهمة العداء للسامية وكراهية اليهود و(إسرائيل). ليس أدل على ذلك من تعليق أحد القراء على الكتاب بقوله: إذا اتبعنا الصيغة والحلول التي يقترحها الرئيس الأسبق كارتر للصراع الإسرائيلي الفلسطيني فإن الذي سيكتب له البقاء والخلود في تلك الأرض المقدسة هو فلسطين وحدها مع زوال (إسرائيل) من الوجود مرة واحدة وإلى الأبد. ومنذ أن دخل - كارتر- وسيطا بين (اسرائيل )ومصر بقي على درجة من الاهتمام بقضايا ومشكلات (الشرق الأوسط).وهذا ما استقر عليه منذ مغادرته لمنصبه في البيت الأبيض وإلى جانب توطد صلته المباشرة بجميع اطراف النزاع التقليدي في فلسطين, زار - كارتر- فلسطين عدة مرات, كان آخرها مشاركته بصفة مراقب دولي في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة التي أجريت هناك. لذلك فهو يطرح في هذا الكتاب شيئا من معرفته الوثيقة بتاريخ المنطقة بشكل عام والصراع الصهيوني- الفلسطيني على نحو خاص, بما في ذلك علاقاته الواسعة بالاطراف الأساسية.أما السمة الرئيسية التي يتسم بها الكتاب الحالي,فتتلخص في تطرقه إلى الجوانب السياسية الحساسة التي يعمد المسؤولون الأميركيون عادة إلى تحاشيها وتجنبها. وفي مقدمة ما يتحاشاه هؤلاء المسؤولون, وأكد عليه كارتر هنا, هو مجمل السياسات الأميركية الخارجية المؤيدة والموالية (لإسرائيل), بصرف النظر عن سلوكها وعدالة سياساتها أو عدم عدالتها تجاه الفلسطينيين, ولا يكتفي - كارتر- بتوجيه الانتقادات وحدها وانما يستمر بوضع الخطوط العامة لما يمكن أن يكون عليه الحل السلمي الدائم للنزاع بين الطرفين. واهم هذه الخطوط أن ينتفي تماما الاتجاه الداعم لسياسات الفصل العنصري, وان يوضع حد في المقابل لمصدر العنف والارهاب الذي يؤرق (إسرائيل) ويقض مضجعها دائما, وكما يقول كارتر, فإنه ليس ثمة جديداً فيما يجب أن يكون عليه حل الدولتين المستقلتين الطويل الأمد لهذا الصراع, بالنظر إلى بداهته ووضوحه . لكن ما يجب قوله هنا أنه من المستحيل أن يتحقق اي سلام دائم بهذه الصفة في الأرض المقدسة,طالما واصلت (اسرائيل) انتهاكها الصارخ لأهم قرارات الأمم المتحدة بخصوص النزاع بينها وبين الفلسطينيين, وتجاهلها لخارطة الطريق التي صاغتها الرباعية الدولية, وطالما تحدت الشرعية الدولية كلها باستمرارها في احتلال الاراضي العربية وبطشها وتنكيلها بالفلسطينيين. ويشمل الحل الذي يراه - كارتر- احترام (إسرائيل )لحدود ما قبل حزيران عام 1967( ما لم يتم التفاوض السلمي بينها وبين الفلسطينيين على غير ذلك). ويستكمل كارتر تصوره لهذا الحل بدعوته جميع القادة والمسؤولين الأميركيين كي يكونوا في مقدمة العاملين من أجل تحقيق هذا الهدف, الذي طالما جرى تأجيله وابطاء تنفيذه وترجمته على الأرض, والسؤال الذي لابد من طرحه على الرئيس الأميركي الأسبق كارتر هو: ألم يكن ثمة دور لإدارتكم السابقة في هذا الابطاء? ألم تكن لديكم هذه الرؤى عندما كنتم على رأس السلطة? |
|