تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كورتاج لإياد شاهين:استحضار الدهشة المفقودة

كتب
الأربعاء 15/11/2006
عبد الرزاق دياب

يفتتح إياد شاهين ديوانه الأول( كورتاج) الصادر عن دار التكوين في بيروت عام 2003 ولم يحالفه التوزيع حتى هذا العام بالإهداء إلى البقية المعنية بالقصيدة(إلى من يهمه الأمر) في دراية حقيقية,

للكلمة التي ما زالت تعتقد أن عصر سيادة الشعر لم يأفل بعد, وأن القصيدة لم تمسها بعد يد النسيان. في الفوضى المثيرة, يعيد(شاهين) ترتيبنا في الصفحات الأولى لديوانه المشاغب, فيكتب ما تبقى منا بعد أن اخترنا لراحتنا النسيان:‏

قبعة ومعطف وحذاء / مشينا تحت النسيان / طرقنا باب العتمه / ولجنا / غطينا امرأة بالسبابه / ثم خرجنا / قبعة وشتاء وحذاء(ص8)‏

ثم يوزع تساؤلاته على كامل المجموعة, عن الموت, والحياة, أشيائنا الصغيرة,الشموع, الخيانة, الصمت, والمستقبل في رغباتنا المترنحة:‏

ماذاتريد أن تصبح في المستقبل / أريد أن أصبح عجوزاً(ص84)‏

ويحاول مجدداً أن يساير الموت في اتفاق للتواطؤ على الخلاص:‏

دنوت من حفرة السور / كل ما أذكره / قال مر من تحتي / حفرت / فصار شاهدتي(ص40)‏

وفي لعبة الصوت والصمت, واستجلاب المعنى الدقيق لتداخل كلمة وجودهما:‏

-يقول الصوت: لن أدخل هذا المكان‏

حتى يخرج الصمت منه, (ص82)‏

ولكن مدلولات الصمت, كواقع معاش, نصبح نحن متداخلين في خلق المعنى: في بلد النعام / الصمت يقتل كالكلام. / غرائبية الدهشة‏

يضيق( شاهين) في قصائده المفاجئة, الهوة بين المترادفات, ويعبث بمسلماتنا, فيقلبها رأساً على عقب, في دلالة غرائبية على سخرية الفكرة المعاشة, والواقع المقلوب الذي نعيشه, فيأتي بالمتوقع مقلوباً, لتحل الدهشة التي فقدناها.‏

آخر ما توقعه الشارع. / هوأن تصدمه الحافلة(ص171). / أغمضت عيني كي لا أرى العتمة.‏

ثم يقترب رويداً من وهمنا, ليستبيح ظنوننا, ويشتري لنا بعض الحقيقة في أننا ساقطون لا محالة أبعد من الوهم: ظن الخيط بعد خروجه من الابرة. / أنه هو الذي ثقبها(ص158)‏

وبعد ذلك تتوالى انتزاعاته لذلك الوهم, باغراقنا رويداً رويداً, في لجة الدهشة, واسقاطنا في واقعية يجب أن لا نتناساها:‏

- البحر مالح لأن الغرقى ما زالوا يبكون ص.144‏

- القبور أيضاً تموت ص.137‏

-الذي أطفأ الشموع ليس الهواء بل الكهرباء ص.199‏

كذلك لا تسلم رموزنا الحياتية, من السخرية المرة التي تعتقل علاقاتنا بها:‏

أين بردى / مات من العطش(ص129)‏

ويقترب من مشهد مأساوي من ذواتنا المتنافرة:‏

المظلات تمنعنا من الاقتراب / أكثر من بعضنا / وكذلك القبعات والأكتاف / وأخيراً رؤوسنا(ص132)‏

لغة الغواية‏

يستلب(شاهين) من الواقع المعاش لغته القاسية, ويغويها بالسخرية المرة, في محاولة لاسقاطها على عجزنا في مفارقة الموقف, أو على لسان كائنات عاجزة:‏

استيقظت في الصباح / وذهبت إلى المغسلة / وجدتها عالية جداً / فعدت إلى البالوعة.(193)‏

ويأسرنا فجأة بلغة حزينة, تطوي السخرية فتحيلها نشيجاً أزلياً يسكن في أعماقنا كحقيقة لا نستطيع الفرار منها, على مدار فشل المحاولات لمغادرتها:‏

منذ متى أبكي / فلا تنهض أمي من موتها / كي تهز البلاد(ص63)‏

وتزداد لغة الحزن امتداداً, لتدخل فجأة في قسوة فاجعة:‏

لا أحب الأطفال / لأنهم يكبرون(ص112)‏

- يعود الجنود كي يجدوا إخوة أبنائهم(ص211)‏

مفارقات لغوية‏

يعبث(شاهين) باللغة, لغاية مترفعة عن اصطناع المفاجىء, بل ليجلب لنا دهشة الحقيقة, في تلبسنا بالموقف أو مفاجأتنا بوقعها علينا:‏

- وضعت لي السم على شفتيها(ص(126)‏

-والوجه متقن إلى درجةالقناع(ص123)‏

-كلما طالت الهدنة مع الذئب‏

ازداد جوعه(ص117)‏

- سار المسيح على الماء‏

ثم غرق في اليابسه(ص107)‏

-يستحق(كورتاج) أن يكون ديواناً استثنائياً, يصلح للقراءة وللجلوس على طاولة لاختلاس جميل في لحظة جمود, يحرضك على التأمل, وسط زحمة الدواوين التي استسهلت الصدور .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية