|
آراء
يعانين من فقر الدم وأمراض سوء التغذية, لكنهن مهووسات بشراء مواد التجميل باهظة الثمن والمستوردة, خاصة تلك التي تحمل اسم ماركة مشهورة.تذكّرتُ بحث الدكتورة نوال كثيراً, وأنا ألاحظ منذ سنتين هوس الشابات بحقن البوتوكس في وجوههن, لأنهن لا يتحمّلن أبداً آثار الزمن, خاصة التجاعيد حول العينين. أعرف شابة في الرابعة والثلاثين من عمرها, تعمل موظفة, قالت لي أنها مستعدة أن تعيش على الخبز والشاي مقابل أن تؤمن ثمن ابرة البوتوكس ذ علماً أن ثمن ابرة البوتوكس يعادل ثلاثة أضعاف راتبها !- شابة أخرى اعترفت لي أنها حصلت على قرضٍ على راتبها من المصرف من أجل أن تقوم بعملية وشم لحاجبا, إذ أن حاجبيها دقّة قديمة كما قالت, وهي تريد أن يكون لديها حاجبي الممثلة سمية الخشّاب. أستطيع أن أسرد مئات القصص عن شابات لديهن هوس بحقن البوتوكس أو حقن مواد لنفخ الوجنتين أو الشفتين أو الثديين .. الخ .. ومعظمهن يتمتعن بوجوه نضرة وشابة, لكنهن يفزعن حين يلحظن بداية تجاعيد خفيفة حول العينين أو في الجبهة, كما لو أن جوهر كيانهن وقيمتهن متعلقتان ببضعة تجاعيد !!كل أطباء التجميل يعترفون بظاهرة اسمها إدمان البوتوكس, لأن من يعلَق بحق هذه المادة التي تشل ّ العضلات, سيحتاج لإعادة الحقن كل ثلاثة أشهر, وعلى أبعد تقدير كل ستة أشهر..إن الهوس بالشكل الخارجي النضر ووفق مقاييس معينة, -كما لو أن هناك وجهاً معمماً للجمال العصري يدل على خواء داخلي, وضعف الثقة بالنفس وانعدام الاهتمام بالقيم الحقيقية والجوهر .. هل الإنسان مجرد وجه نضر, أم أنه روح وشخصية وحضور إنساني ..كيف تستطيع شابة أن تجوّع نفسها, وتعرّض صحتها لفقر الدم, وأمراض سوء التغذية مقابل أن تحقن مادة لا تعرف ضررها على المدى البعيد لإخفاء أبسط التجاعيد في وجهها !..أظننا نعيش في زمن ثورة الجسد, فهناك هوس في نَحت الوجه, والجسم وفق مواصفات جمالية معينة, نحن نعيش في زمن عمليات شفط الدهون وتكبير الصدر أو تصغيره, ونفخ مناطق عديدة في الجسد ..كما لو أن شعار هذا الزمن: الشباب الدائم, وبقدر ما تحتفظ بشبابك تكون مرغوباً وموجوداً ..إن إصرار الشابات على محاربة آثار الزمن بشراسة وهوس مهما كان الثمن دليل على تسليع المرأة نفسها, وتسليع المجتمع لها. إنها ليست متحققة بشخصيتها, بل بجسدها !ولا يمكن إغفال القنوات الفضائية المتخصصة بالترويج لمنتجات التجميل العديدة, وأجهزة التجميل أيضاً .. بل إنني صعقتُ منذ أيام حين تابعت بذهول برنامجاً عنوانه: انتبهوا إلى مؤخراتكم, وفيه يعرض الطبيب كما قدم نفسه جهازاً يشبه جهاز تخطيط القلب الكهربائي .. لكن هذا الجهاز وظيفته تقليص عضلات المؤخرة, كي تتخذ مظهراً مثيراً عصرياً جذاباً, وكي يحقق المواطن انتماءه لهذا الزمن !!وللأسف هذا الغزو الإعلاني والترويج لمئات أدوات وأجهزة وعمليات التجميل يجد في عالمنا العربي سوقاً رائجة للغاية, كما لو أنه لا ينقص الفقراء المغفّلين سوى شراء مواد التجميل ..على فكرة إن حقن البوتوكس يُفقد الوجه القدرة على التعبير, فتصبح الابتسامة مشوهة أقرب إلى التكشيرة, ولا يتمكن الشخص من العبوس أو تقليص جبهته, يصير الوجه قطعة من رخام .. كما أن هناك حالات تسمم عديدة, وحالات شلول .. وحالات تحسس خطيرة بسبب استعماله ... ومع ذلك هناك هوس بالبوتوكس.وللأسف يجد العديد من الأطباء باباً واسعاً للربح الفاحش بسبب حقن البوتوكس, ونفخ الشفاه والوجنتين .. ولا يكلفون أنفسهم بإبداء نصيحة إنسانية للضحايا المهووسين بالشباب الدائم .. هؤلاء الأطباء لا يهمهم إلا الربح, وينظرون للشابات كزبونات مغفلات بل إن أحدهم قال لي بسخرية وهو يضحك: تصوّري حقنت بوتوكس لشابة في الخامسة والعشرين من عمرها ..ليت البوتوكس ينفع لشدّ العقول التي ترهّلت من التفاهة والسطحية والتعلق بالقشور .. كم كان محقاً ميشيل فوكو حين قال أن أهم صفة في عالمنا المعاصر أن كل شيء فيه يقلّد كل شيء. |
|