تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الصدمة النفسية لدى أطفالنا.. كيف نتعـــامل معهـــا مـــن وجهـــة نظـــر تربويــــة... ؟

مجتمع
الثلاثاء 7-1-2014
محمد عكروش

يتعرّض النّاس أثناء الحروب لمواقفَ وأحداث صادمة، ضاغطة ومؤلمة. تتمثّل هذه الأحداث بتهديم البيوت والمدارس والأماكن العامّة، والإصابات ومشاهد الموت والدّماء والإعاقة والخطف والاغتصاب وسماع أصوات الانفجارات وصراخ المتضررين،

إلى ما هنالك من أحداث تؤثّر سلباً في السّلوك والشّخصية وسير حياة الإنسان عموماً والطّفل خصوصاً.‏

وقد أثبتت الدّراسات الحديثة أنّ العامل الأهمّ في تحديد ردود فعل الكائن الحيّ ليس طبيعة الحدث الصّادم بحدّ ذاته، وإنّما القدرة على مواجهة هذا الحدث والكيفية التي يتعامل بها الفرد مع الحدث.‏

وانطلاقاً من هذه المقدّمة التي لا تخفى مفرداتُها على أيّ منّا في الظّروف الرّاهنة لمجتمعنا السّوري نستطيع القول: إنّ تنمية وتعزيز قدرتنا على مواجهة الأحداث الصّادمة والصّدمات النّفسية التي تنتج عنها يجب أن يكون أمراً مهمّاً على قائمة أولوياتنا وأولويات المؤسسات التّربوية والاجتماعية في هذا المجتمع. ولكي نَصِل إلى تصوّر واضح لكيفية تنمية القدرة على مواجهة الصّدمات ومساعدة الآخرين على مواجهتها يجدر بنا تحديد مفهوم الصّدمة النّفسية، ومعرفة مظاهرها وعلاماتها، ومعرفة كيفية التّدخّل لإرشاد المصدوم نفسياً، ثم التّعرّف على الأساليب والعبارات التي يمكن استخدامها مع الشّخص المتعرّض للصّدمة.‏

هذا ما سنعرفه مع الدكتورة عبير حاتم اختصاصية علم نفس لغوي في كلية التربية بجامعة تشرين بداية قالت: أفضل الحديث عن المفهوم العام للصّدمة النّفسية ولا أميل لتعريفها تعريفاً مختصراً قد يكون غامضاً أو يؤدّي إلى التباسٍ لغوي لدى غير المختصّين في العلوم النّفسية.‏

خارج عن الخبرة‏

حيث نطلقُ تعبير الصّدمة النّفسية على الأثر النّفسي والّتغيّرات في الشّخصية التي تنتج عن حدوث أمرٍ خطير، مفاجئ، شديد القوّة وغير متوقّع يؤثّر على فردٍ أومجموعة أفراد أو المجتمع بأسره. ويكون هذا الحدث خارجاً عن الخبرة الذّاتية للإنسان ويهدد، في الوقت نفسه، وجوده وحياته. ولاتستطيع وسائل الدّفاع النّفسية اللاشعورية (كالتّسامي، النّكران، النّكوص، الكفّ، الكبت) أن تسعف الإنسان للتكيّف معه. ناهيك أنه قد ينتج عن هذا الحدث أيضاً مرضٌ عضوي إذا لم يتمّ التّحكّم به والتّعامل معه بسرعة وفاعلية.‏

وإن كان هناك من مظاهر للصّدمة النّفسية؟‏

قبل الحديث عن مظاهر الصّدمة النّفسية وعلاماتها على الشّخص الذي تعرّض لها، حريٌ بنا التّنويه إلى أنّ هناك بعض الأعراض التي تظهر بعد حدوث الصّدمة مباشرةً وأنّ هناك بعض الأعراض تكون متأخّرة والتي بحاجة إلى متابعة وتركيز أكثر وبجهد أكبر. وهذه الأعراض هي ما اصطُلِحَ على تسميته (اضطراب ما بعد الصّدمة) ومن مظاهرها و علاماتها على الشّخص الذي تعرّض لها تخيّل دائم و خوف من تكرار الحدث الصّادم. أو عدم القدرة على القيام بالأنشطة اليومية المعتادة. أو تغيّر في العلاقة مع البالغين: كالتّعلّق الشّديد بالوالدين والأنانية. وتراجع في الأداء الدّراسي وتحوّل في العلاقات مع أبناء نفس الجيل: مثل مظاهر السّلوك العدوانية. كما ينتابه ردود فعل سلبية تامّة وانسحاب تام. وحركة زائدة غير معتادة وغير موجّهة و بلا سبب واضح أو معروف. وظهور مشاعر الخوف والقلق والتّوتر والتّرقّب والتّوجّس. كذلك الشّرود الذّهني وعدم القدرة على التّركيز والانتباه. وحصول اضطرابات النّوم والأحلام المزعجة والكوابيس. ناهيك عن أعراض فيزيولوجية مثل فقدان الشّهية واضطرابات الكلام والتبوّل اللاإرادي. وعدم الاعتناء بالذّات من ناحية المظهر الخارجي و النّظافة الشّخصية.‏

عدة اعتبارات‏

وهناك عموماً عدّة اعتبارات هامة للتّدخّل لمواجهة الأحداث الصّادمة و هي: شدّة الصّدمة ومدّتها وتكرارها. ونضجه وعمره الزّمني. كذلك الخبرة السّابقة وتفسير الحدث من وجهة نظره وثقافته ومعتقداته. والتّكوين النّفسي للشّخص المصاب.‏

وان كان هناك من مبادئ للتّدخّل الإرشادي في حالة الصّدمة النّفسية؟‏

يحدد الاختصاصيون النّفسيون عدّة مبادئ للتّدخّل الإرشادي في حالة الصّدمة النّفسية. و هي: التّدخّل وقت الحدث حيث إنّ الأزمة التي يمرّ بها الشّخص تعني تعرّض “تنظيم الشّخصية” إلى خلل وتشويش. فكلما كان التّدخّل سريعاً تزيد الاحتمالات في مساعدة الفرد لإعادة تنظيم شخصيته في اتّجاه صحيح نفسياً. وكذلك التدخل السّريع يساعد الفرد في تكيفه وتعامله مع المشاعر الأولية المترسّبة في المستوى الفردي والجمعي والتي تظهر لديه بعد تعرضّه للأزمة (كمشاعر العدوانية والقلق والذعر) وهي مشاعرٌ إن لم يتمّ التّطرق إليها والعمل على توجيهها بما يتلاءم والصّحة النّفسية فإنّها سوف تتكاثف وترتبط بصور مختلفة وغير صحيّة في التّنظيم الجديد اللاواعي الذي يقوم به الفرد لشخصيته للتكيف مع متطلّبات الحياة.‏

فالشّخصية تتشكّل تنتظم من جديد بعد أي أزمة سواء بتدخلّ المرشد النّفسي أو بدونه...‏

قاسم مشترك‏

والسّؤال كيف تتنظّم الشّخصية بعد الحدث، وفي أيّ اتجاه؟ و« ماذا عن المشاعر التي ظهرت فجأة ولم يتمّ التطرّق اليها والتّعامل معها وإعادة صياغتها في سيناريو يتلاءم والبنية الشّخصية للفرد والمجموعة؟”‏

لابد بداية من الجرأة والتّخفيف من هالة الحدث: إنّ المعالج والضّحية ينتميان لنفس المجتمع وبينهما قاسم مشترك وهو كونهما ينتسبان لنفس الفئة المهددة، وهناك مشاعر تستفيض عند الطّرفين يجب التنبّه لها وتحديدها والتّعامل معها بما يلائم المبادئ العلاجية السّليمة. فالمشاعر العدائية التي تظهر، مثلاً، لدى الأطفال المعرضين للحدث تظهر غالباً بصورة التّظاهر بالقوّة والشّجاعة ولكنّها تعبّر، حقيقةً، عن القلق والذّعر والخوف. وهنا إذا ما أظهر المعالج المشاعر الحقيقية لديه فإنّه سوف يظهر بمظهر الخائف والضّعيف ويؤثّر سلباً على حالة الضّحيّة.‏

والمطلوب بهذه الحالة من المعالج إظهار القوّة والشّجاعة والتمركز في احتياجات ضحايا الحدث واستيعاب وتفهّم مشاعرهم. وفيما بعد سيكون من المهم (استجواب وتفريغ) مشاعر الطّاقم الذي قام بالتّدخل والتّحدّث عن المشاعر التي ظهرت، وأمرٌ كهذا يجب أنّ يتمّ بوجود اختصاصي نفسي مهني مختصّ بالعمل في هذا المجال.‏

هل هذا يعني أن هناك أولويات في تلبية الاحتياجات؟‏

عندما نتدخّل لمعالجة حدث ما فإنّنا يجب وضع أولويات تتلاءم وسلّم الاحتياجات الطّبيعي للضّحايا: (الطّعام، الدّفء الجسدي، إعطاء الشّعور بالأمن والدّعم والقرب من قبل الاختصاصيين والمعلّمين وغيرهم). في هذا الوقت لا يجب العمل على معالجة الحدث بشكل إدراكي وعقلاني. بل يجب أن نتعامل مع العبارات النّاتجة عن مشاعر نفسية (مثل أريد أن أفجّر فلاناً أو مكاناً، أريد أن أنتقم لأخي، أريد أن أموت ...) على المستوى المشاعري بلا نقاش وحوار عقلاني لهذه العبارات.‏

أسرع ما يمكن‏

ومتى يتم الانتقال إلى معالجة الحدث؟‏

يجب الانتقال إلى هذه المرحلة بأسرع ما يمكن حتى لا نعطي للشّخص فرصة لترتيب وتنظيم شخصيته دون معالجة المشاعر التي ظهرت. ومن المفضّل بناء رواية مع المُعَرّضين للحدث تسمح بإجراء حوار حول الحدث نفسه والمجالات الحياتية الأوسع في حياتهم. وعند بناء الرّواية يجب الانتباه إلى بعض القضايا مثل (كيفية التّعامل مع مشاعر العدوانية الدّاخلية التي نشأت، دور الضّحية، أنماط شخصية مختلفة للتكيّف مع الحدث، الشّجاعة والارتقاء فوق المشاعر الحقيقية وما إلى ذلك).‏

وبحسب قول د. حاتم : إنّ هذه المرحلة يمكن أن تطول وهي تتشابه أحياناً مع مراحل التّدخّل في حالات المستوى المجتمعي كإشراك أطراف مجتمعية في بناء الرّواية الجديدة، وكذلك دمج الرّواية الفردية وعدم فصلها عن الرّواية الجماعية كل هذا يساهم في تأقلم الشخص بصورة أسهل مع الحدث. وعلى المعالج إذاً استخدام الرّواية الجمعية في عملية التّدخّل. كالأساليب والعبارات التي يمكن استخدامها مع الطّفل المتعرّض للصّدمة:‏

تقديم دعم‏

ونخلص هنا بالقول: إنّ عملية الإرشاد النّفسي لا تقتصر على المرشد النّفسي وحده، بل يمكن للأهل والمعلّمين اتّباع بعض الأساليب للتّدخّل بهدف تقديم الدّعم النّفسي للطّفل المتعرّض للصّدمة، كما يجب استخدام ألفاظ معيّنة تنطوي على التّطمين والتّشجيع، وتجنّب استخدام الألفاظ المثبّطة والعبارات التّوبيخية. مثل نقل الشّخص المصاب من بؤرة التّوتَر إلى مكان أكثر أماناً. وإعطاء فرصة للشّخص بأن يصف الحدث من وجهة نظره وبلغته الخاصة وعن انطباعاتهم الحسّية التي تولّدت أثناء وقوع الحدث (ما سمعوه، شمّوه، شاهدوه و شعروا به). وحث الطلب من الطّفل أن يعبّر عن مشاعره أثناء مروره بالحدث وعن شعوره حالياً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية