|
معاً على الطريق كل منهم أدلى بدلوه في ما يراه هو وما لا يراه الآخرون من أحداث ومفاجآت العام الجديد ويومياته، وكل منهم أصاب هنا وخاب هناك في ما سبق أن رآه العام الفائت. بعضهم يدعي الإلهام كما الأنبياء والصالحين.. ولم لا إذا كان ثمة من يصدق، وبعضهم الثاني يدعي السرية والغموض في ما يرى ويقرأ كما لو أنه مخبر حديث العهد في أعمال الاستخبارات، وبعضهم الثالث يدعي العلم والقواعد الفلكية ورصد حركة النجوم والكواكب كما لو أنه غاليلو أو خريج وكالة ناسا الفضائية! لا علينا، المهم أن كلاً منهم وجد طريقته لإقناع هذا البعض منا أو ذاك، إنه قارىء ناجح للغيب وإنه نصف آلهة أو نصف نبي ورسول على الأقل.. رغم تواضع ثقافة جلهم ومعارفه، ورغم أن جل الجل هذا لا يجيد.. حتى قراءة ما كتبه بقلمه. الطامة ليست في هؤلاء ولا في من يصدقهم أو يسخر منهم من مستمعيهم ومشاهديهم، ولا هي في ما يقرؤونه ويتوقعون حدوثه، بل هي في نظرائهم من بعض «المثقفين» السوريين، الذين ساقوا وانساقوا في حكاية «الثورة» وملحقاتها بدءاً بالديمقراطية وصناديقها وصولاً إلى الدولة المدنية المدينية الراقية ومروراً بالتعددية والغنى الثقافي.. حتى صدقوا أنفسهم قبل أن يصدقهم الآخرون من السوريين، وقبل أن يتصدق عليهم الغرباء من عرب وعجم بإقامة في عاصمة هنا أو بتذكرة طائرة وفندق هناك أو بمصروف جيب دسم.. قبل وبعد التئامهم في مجلس أو هيئة أو «إتلاف».. على طريقة حمد بن جاسم. ورغم أنهم ملؤوا الفضائيات بتوقعاتهم وتكهناتهم وآرائهم ورؤاهم وسحناتهم الغبية أو الحاقدة ولأيام وأسابيع وشهور وسنين، ورغم أن مشغليهم وأساتذتهم وكفلاءهم الإقليميين والدوليين غيروا حركة الكواكب والنجوم، لتتفق مع ما توقعوه وشعوذوا به، إلا أن أحداً منهم لم ينجح في توقع أو معرفة «إلهام».. اللهم سوى ما أوكل إليهم توقعه وترديده من الخارج من وعود القتل والتدمير والتخريب! «المثقفون» إياهم... القارؤون الحاذقون الموضوعيون العالمون العاملون بالورقة والقلم، وبدلاً من المدنية والمدينية أوصلونا إلى الهمجية البدائية وقطع الرؤوس والأطراف والتمثيل بالجثث، وبدلاً من الديمقراطية والتعددية أوصلونا إلى ديكتاتورية النص المبتور والحديث المزيف.. فلا رأي لنا أمام قضاء الآخر وحكمه سوى اختيار طريقة الموت على يد جاهل قادم من غياهب التاريخ، وبدلاً من الديمقراطية والصناديق أوصلونا إلى حروب الردة والخوارج وصراعات الدواعش والفواحش والهوامش؟ ليتكم اشتغلتم بالعرافة والشعوذة وما اشتغلتم بنا وعلينا وأشغلتمونا بادعاء الثقافة والمعرفة وقراءة أزمان «الثورة» وحلول دول الحضارة والرفاهية والمعرفة، ليت أمهاتكم ثكلتكم قبل أن تثكلوا أمهاتنا.. فقد كن نجين ونجت بنا أمهاتنا؟ |
|