|
شؤون سياسية بفعل الانجازات الكبيرة والعطاءات المستمرة التي شملت كل أبناء سورية دون استثناء أو تمييز، ورغم الحملات المغرضة التي تقوم بها بعض الجهات المعادية من أجل التقليل من حجم انجازات ثورة آذار فقد أثبتت الأحداث الراهنة أن الحصانة التي تتمتع بها سورية والتي مكنتها من تجاوز الكثير من العقبات والصعاب كانت بفعل المداميك القوية التي أرستها ثورة آذار، ولعل استمرار الدولة ومؤسساتها المختلفة بأداء دورها المتكامل في حياة مواطنيها رغم كل الضغوط الدولية الهائلة والعدوان الذي تتعرض له بلادنا منذ قرابة العامين يشير بوضوح إلى قوة ومتانة هذا البنيان الراسخ. فثورة الثامن من آذار كانت وما تزال فعلاً حضارياً وحركة نهوض مستمرة في كل ميادين العمل والإنتاج والبناء والإبداع، حيث كان لها الفضل الأكبر في إحداث القطيعة الكاملة مع عصر الإقطاع والاستعباد عندما قامت بتوزيع الأراضي على الفلاحين وجعلتهم أسياد أنفسهم، وعندما أممت المنشآت الاقتصادية الهامة وأعطت العمال حق إدارتها والإشراف عليها والاستفادة من أرباحها، منهية بذلك عهوداً من التعسف والاستبداد والظلم بحقهم، وحين شيدت المصانع والسدود والجامعات والمدن الرياضية والمنشآت الخدمية من مستوصفات ومشافٍ ومدارس، وتحولت سورية بفعل هذه الانجازات من دولة تتلقى المساعدات الغذائية وتستورد احتياجاتها من الغرب والشرق إلى دولة مصدرة ومكتفية بذاتها، وهذا الأمر كان له مدلول عميق في ترسيخ مبدأ السيادة الوطنية الكاملة. ولم تحقق سورية الثورة هذا التطور النوعي الكبير لولا اعتمادها على نهج اقتصادي تميز بالحيوية والتنوع والتنويع بين اقتصاد الرعاية الاجتماعية والتكامل بين دور القطاع الخاص ودور القطاع الحكومي في العمل، ومواجهة أعباء التنمية وتوفير البنية التشريعية والقانونية والإدارية ومستلزمات العمل، وقد أدت هذه الصيغة إلى تطوير الاقتصاد السوري وتحقيق قفزات نوعية حافظت على استقرار سورية ماليا لجهة أسعار الصرف والمالية العامة وتمويل الموازنة العامة، وكان لانخفاض المديونية الخارجية والدين العام أثره البالغ في تحصين الاقتصاد السوري من الخضات والأزمات المالية التي اجتاحت العالم خلال السنوات الماضية. وعلى المقلب الآخر شكّلت ثورة 8 آذار نقطة تحول كبيرة وفاصلة في تاريخ سورية الحديث لجهة انتظام الحياة السياسية فيها وأخذها بعدا مؤسساتياً أعاد لسورية دورها العربي والدولي، وقد اتضح الدور الأبرز للثورة من خلال وضع إطار ناظم لدولة المؤسسات لإدارة البلاد بقرار وطني يستمد شرعيته من الجماهير مباشرة، كما أعادت الثورة الاعتبار للفكر القومي الذي عبر عنه فكر حزب البعث العربي الاشتراكي ودستوره ما أسهم بعودة الدور الريادي لسورية في المنطقة وعلى الساحتين الإقليمية والدولية. وكان لوضوح منهج الثورة تجاه الحالة القومية أثره البالغ في الحياة السياسية في البلاد من خلال الإيمان بوحدة الأمة العربية وحريتها وضرورة بناء مجتمع عربي على أسس من العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وقد ترجمت الأهداف السياسية للثورة على أرض الواقع من خلال رفض جميع أشكال التدخلات الخارجية في شؤون سورية الداخلية، واعتماد سياسة التقارب بين الدول العربية ونبذ الخلافات وحل المشكلات العربية ضمن البيت العربي. ورغم الأساس القوي لثورة آذار فقد أعطت الحركة التصحيحية التي قادها القائد الخالد حافظ الأسد عام 1970 دفعا قويا لانجازات الثورة وصححت الكثير من الأخطاء والانعطافات التي تخللت مسيرة الثورة وهو ما أسس لقيام دولة حديثة بالمفهوم العصري للدولة بجميع مندرجاته السياسية والاقتصادية والمؤسساتية. ولأن مسيرة العطاء والانجاز والتجدد لا تتوقف عند حد معين فقد شهدت سورية خلال السنوات ال 13 الماضية أي منذ العام 2000 حركة تحديث وتطوير مستمرة شملت كافة القطاعات والمجالات قادها بكل ثقة واقتدار السيد الرئيس بشار الأسد، وهو ما ساهم بتكريس وتعزيز غالبية المكاسب التي حصل عليها شعبنا خلال مسيرة الثورة، ومنذ عامين تقريبا دخلت سورية في مرحلة نوعية من التطور والانبعاث تمثلت بإقرار العديد من القوانين العصرية كقانون الانتخابات وقانون الإعلام وقانون الإدارة المحلية وقانون الأحزاب، وتم إنجاز دستور عصري جديد يكفل ويصون الحريات العامة لجميع المواطنين ويؤسس لمرحلة متطورة من التعددية السياسية، وهو ما جعل سورية في موقع الاستهداف المباشر من قبل مختلف الخصوم والأعداء في الداخل والخارج. حيث عمد هؤلاء الخصوم والأعداء إلى افتعال أزمة في داخل سورية لإضعافها وإجهاض مسيرة ثورتها المجيدة وإخراجها من محور الممانعة والمقاومة الذي أسسته لوقف وإفشال المشروع الصهيوني لضرب المنطقة وتقسيمها ونهب ثرواتها، فمولوا وسلحوا عديمي الوطنية والانتماء من شذاذ الآفاق وأصحاب السوابق والمرتزقة وأوكلوا لهم مهمة تخريب سورية وتدميرها تحت عناوين مزيفة، وراح إعلامهم المنحط يطلق اسم الثورة على أعمال التخريب والقتل، ويصنف المجرمين والإرهابيين والقتلة والمخربين «كثوار» وأين منهم الثورة والثوار، غير أن «الثورة» المزعومة والمزيفة التي صنعها الأميركيون والعثمانيون والمستعربون الجدد والصهاينة العرب ستسقط أمام الثورة الأصيلة التي فجرها أبناء سورية الشرفاء بسواعدهم وعرقهم في صبيحة الثامن من آذار عام 1963. ورغم كل ما يرتكبه العملاء والمجرمون من أعمال تخريبية وإجرامية طالت منجزات ثورة آذار ومنجزات شعبنا المناضل خلال الخمسين عاما الماضية فإن مسيرة التنمية والإصلاح والتطوير ستتواصل رغم أنفهم ورغم أنف العدوان الذي يستهدف دور سورية وموقعها، وإنا على يقين بأن البناء الذي أرسته ثورة آذار سيبقى صامدا في وجه العواصف والأنواء بفضل وعي شعبنا ووحدته وتلاحمه خلف جيشه وقيادته ومؤسساته. |
|