|
الافتتاحيــة حين جمع الغرب فلوله المنكسرة على امتداد الأرض العربية في ذلك الوقت، كان يحاكي في بدائله أدوات ومرتزقة، ارتضت أن تكون تعويضاً له بالتعاون مع إسرائيل التي تلاقت مصالحها وأهدافها مع تلك الأدوات والمرتزقة وان اختلفت وجوهها وأقنعتها. المد القومي الذي أسس في تلك المرحلة لإنتاج محاكاة جديدة اقتضت في الحد الأدنى تقديم مقاربات سياسية واجتماعية تستلهم الواقع الحقيقي للشعب، وتجتمع على كلمة سواء في تحمل تطلعاته والنظر إلى المواجهة المفتوحة على أنها نتاج معركة فاصلة تتقارب فيها المعطيات, هذا المد, واجه انحساراً متراكماً قدم الذريعة للانقضاض الظلامي عليه، في حين ابتعدت على المقلب الآخر سبل انتهاج ما يمكن ان يكون القاعدة الضرورية للفعل السياسي بأوجهه المختلفة. ويبدو أن المعيار لم يختلف في تداعياته، والبعث الذي كان على الخط الفاصل بين مرحلتين يشهد اليوم الموقف ذاته ومن منابر تتعدد أوجه المحاكاة فيها، كما تتعدد نماذج الاستهداف وإن بدت هي ذاتها بلبوس لم يغير الكثير في الجوهر، لكنه أضاف إليها الكثير من المنافذ والمعابر الذاتية والموضوعية التي دفعت إلى مواجهة قاسية وصعبة ووجودية، لا تستبعد من قاموسها أي مفردة ولا تتردد في تنصيب ذاتها وكالة وأصالة بدورها المستجد كعراب يريد تعويم ما استقر في مستنقع الأطماع. اليوم يقف البعث على مفترق تتشابه فيه التفاصيل، ويكاد الفارق في العناوين يتلاشى، والتاريخ لا يعيد نفسه، بل يكرر سطوره وحتى شعاراته وكلماته، ولا يخفي الرغبة لدى الأعراب في دفن الفكر القومي حيث الغرب يوكل لأدواته ومرتزقته الدور الذي أوكله في الماضي مع ما تقتضيه من تعديلات، ويقود حربه الكونية على سورية بالوكالة، ولا يتردد في التعبير عن الرغبة بالحضور أصالة إن اقتضت الضرورة أو إذا ما عجزت الأدوات. والأعراب التي ما فتئت تقدم ذاتها في صور وأشكال تتبدل حسب المناخ ، وتتغير وفق الاحتياجات، تحاول ان ترمي ورقتها الأخيرة في سلة التآمر حين تستدعي التدخل الخارجي وتشرعن العدوان، وتصدر بلاغها في «إعلان حرب» يعيد التقارب بين التاريخ والأعوام والسنوات، ويزيل الفوارق والهوامش بين المصطلحات، ويعود إلى الواجهة ثالوث التآمر مزنراً بحزام الإرهاب الناسف. ربما تكون المقارنة ظالمة، وقد يكون التقاطع الحاصل ناتجاً عن تشكيل بصري خاطئ، لكنه في المحصلة يصل إلى النتيجة ذاتها، حيث تتصدر «الرجعية» العربية بمفعول رجعي في المصطلح وفي دلالة الزمن، وهي التي كانت واحدة من أخطر أذرع ثالوث التآمر، بتراتبية تتساوى فيها مع ما كان سائداً في ذلك الوقت، مع انتقال تدريجي في توصيفاتها، واستبدلت مفهوم الرجعية بمصطلح يناسب عصر المال النفطي والمشيخات التي تصادر العمل العربي وتوزع عليه شهادات القبول والرفض، أو تغدق عليه عطايا الثناء والعقاب!! غير ان الأخطر كان عودة التحالف ذاته القائم إلى البروز كرأس حربة في مخطط الاستهداف جنباً إلى جنب مع الإرهاب، وأن تكون كذلك الراية ذاتها هي الحامل الجديد للأطماع المغلفة تحت لواء من الادعاءات الفاضحة، وخصوصاً ما يتعلق منها بالحرية والديمقراطية وأن تكون المشيخات والتنظيمات التكفيرية والظلامية هي الرائدة في تلقف المشهد والدفع به بالتزامن مع عودة الأطماع الاستعمارية بشقيها الجديد والقديم لكي تطل برأسها وذيلها معاً، ومن النافذة كما هي من الباب، ولتبقى الأصابع الإسرائيلية كما كانت هي المحرك والموجه. البعث وآذار وسورية الوطن والدور والتاريخ في المواجهة ليس استنتاجاً، ولا تحليلاً، بل واقع تقر به معطيات الأحداث وتطوراتها، والتحديات بوجهها القديم والجديد تنتصب وقد تخندقت خلفها جحافل الغزاة وتمترس تحت رايتها ثالوث التآمر الذي تقوده مشيخات أينعت رؤوس حماتها وعقول الجباة فيها، فيما الأعراب تصطف على حافة الخندق ذاته، وقد تبرأت من عروبتها، وتجرأت على قوميتها، وذهبت بما لم تذهب إليه يوماً، وضفائر الغدر ترفع أشرعتها للإبحار بعيداً في بحر الخيانة. التحديات تقرّ بأن البعث كما هي القومية والعروبة، في اللحظة الفاصلة بين تاريخين وحدثين، وفي اللحظات الفاصلة اعتاد البعث أن يكون الرهان الرابح ليعيد ضبط رتم التاريخ في مساره، ليس بحكم الدور والقدرة والجدارة فحسب، بل أيضاً بما تقتضيه صيرورة التاريخ، وفي الزوابع، رغم ما فيها من قسوة وأوجاع، بداية مبشرة، ليقود البعث ذاته نحو رؤية تستنفر الأدوات، وتعيد صقل التجربة من وحي الفعل المنتظر في مواجهة لا تقبل القسمة على اثنين. |
|