تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بائـــــــع البطيـــخ

معاً على الطريق
الخميس 2-2-2012
عبد النبي حجازي

تخلو لنفسك تحس أنك واحد، فرد مجرد من الأب والأم والولد، تحس أنك العالم بأسره حتى إذا وخزتك إبرة رأيت من حولك عن كثب.

الحديد يتأكسد، والخشب يتآكل والحجر يتفتت لكن الإنسان لحم ودم وأحاسيس يتحدى عوامل الطبيعة: يبلغ أشده، يهرم، يفارق الحياة، يتجدد بأولاده، ويتابع مسيرته مع الزمن.‏

كنا في مطلع الشباب عندما نشتري ساعة نطلب أن تكون (ضد الماء والكسر) ونضعها في معصمنا نتباهى، استحم بها أحدنا فتسرب إليها الماء، ووقعت على الأرض من يد أخر فتوقفت وأصيبت بالعطب فاكتشفنا أنه مجرد شعار تجاري.‏

أطل من عل فأرى على الرصيف المقابل بائع فاكهة: حمضيات وتفاح وجزر لا يبارح المكان ليل نهار يتناول طعامه وينام، يهب نسيم بارد، رياح شديدة لا تريم، يتناثر عليه شؤبوب عابر، يهطل المطر غزيراً لا يريم، إنه ينتظر زبوناً راجلاً أو يتوقف بسيارته ليشتري حاجته، فيبتسم له ويثني على بضاعته ويقشر حبة (كرمنتينا) ويقدمها له ليتذوقها، ويقسم حبة ليمون بالسكين ويعصرها ليريه غزارتها، وفي الصيف يبيع البطيخ وتثقل عليه شمس الظهيرة فلا يريم.‏

الأفواه تنتظر لقمة العيش، ولقمة العيش لا تدخل بيتك على راحة منبسطة، إن القرش هو الذي يأتي بها والقرش لا يهبط من السقف ولا يخرج من باطن الأرض، إنه لا يدخل جيبك إلا بالعمل وبذل الجهد، وكل ميسر لما خلق يعمل بالوسيلة المتاحة ويتحدى الزمن، والصبر هو ميزة الإنسان، إلا اللص فإن ما يبذله من جهد ينحصر في اقتناص قرشه من جيوب الآخرين بشتى الحيل والأساليب واللصوص على درجات:‏

1- لص قنوع بلباس مسوغ ولقمة عيش يبتلعها بلا غصص.‏

2- لص طماع لا يحس بالشبع.‏

3- لص جشع يحاول أن يملأ كيسه حتى الانتفاخ.‏

4- لص لا يحلل ولا يحرم، لا يهمه وطن يرتفع أو ينخفض تمرس على الابتزاز، يشيد القصور، ويبني الجسور ولا يرى الآخرين إلا من خرم الإبرة.‏

في رواية البؤساء للأديب الفرنسي فيكتور هوغو (1802- 1885) يضطر (جان فالجان) أن يسرق رغيفاً ليقدمه لأخته الأرملة وأولادها فحكمت عليه المحكمة بالسجن خمس سنوات وبسبب محاولته الهروب يمتد سجنه حتى 19 عاماً ويخرج فيرفضه المجتمع لأنه مجرم خطير، وفي ليلة عاصفة يلجأ إلى بيت أسقف فيطعمه ويوفر له مكاناً للنوم، في الليل يسرق جان طقم المطبخ الفضي ويحاول الهرب فتقبض عليه الشرطة ويعيدونه إلى الأسقف فيقول لهم الأسقف «أنا أعطيته إياه» فيتركونه ويهديه فوقه شمعداناً فضياً، يتوب جان ويتفرغ للأعمال الخيرية، ويرعى طفلة مشردة ضائعة (كوزيت) ويربيها أحسن تربية.‏

ترى (الرومانسية) التي يعد (هوجو) من أبرز مؤسسيها أن المجتمع مملوء بالآثام والشرور أما الإنسان (فرداً) فإنه نقي بطبعه ولكنه عندما يختلط بالمجتمع فإنه بحكم الضرورة يغدو شريراً.‏

anhijazi999@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية