|
دراسات حيث تولى أردوغان دور البطولة بعد أن اعتلى حصاناً من خشب، وبدأ معركة خاسرة مع طواحين الوهم، فيما يصفق له الأميركي من بعيد بحماسة شديدة تفصح عن غاياته وأهدافه وأدواره. العدوان التركي الذي بدأ في وقت متأخر من ليل أول أمس بذريعة القضاء على تهديد الميليشيات الانفصالية الكردية التي تقول أنقرة إنها تشكّل تهديداً كبيراً لأمنها، كان قد استبقه أردوغان برشقات مكثّفة من التصريحات الاستعراضية التي كان يتوعد ويتهدد فيها الوجود الأميركي وكذلك مرتزقته، وذلك بهدف التغطية على التواطؤ الكبير مع الولايات المتحدة لشنّ هذا العدوان الذي هو في حقيقة الأمر امتداد للمحاولات الأميركية التركية للعبث بالواقع المرتسم على الأرض، لاسيما وأن المعادلات والقواعد التي رسخها انتصار الدولة السورية على التنظيمات الإرهابية والدول الداعمة لها وفي مقدمتها واشنطن والنظام التركي، قد صاغت معادلات جديدة ووضعت للمشهد برمته حوامل وعناوين يستحيل تجاوزها أو القفز فوقها، إلا عبر محاولة تخريبها ونسفها، وهذا لا يكون ــ من وجهة النظر الأميركية ــ إلا بعدوان كبير أو حرب تغير قواعد الاشتباك والصراع وتعيد الجميع إلى المربع الأول. وهذه الحرب تكشف حقيقة الأطماع التركية لنظام أردوغان بالتوسع في الجغرافيا السورية لفرض واقع احتلالي تحت مسمى (المنطقة الآمنة) يربطه الأخير بالملفات والقضايا العالقة والإشكالية، ويجعله قاعدة ومنطلقاً للابتزاز والمقايضة والاستثمار ليس في مخرجات الحرب على سورية فحسب، بل بطبيعة ونوعية تحالفاته وعلاقاته مع الأميركي والروسي والأوروبي، وهذا الأمر ( أي فرض واقع احتلالي جديد على الأرض ) يؤمن له بالتأكيد مساحات واسعة من الابتزاز مع كل الأطراف السابقة، ناهيك عن أن هذا العدوان كما يظن قد يحسّن من صورته الذي يبحث في هذا التوقيت تحديداً عن إنجاز خارجي لتجميل وجهه القبيح على المستوى الشعبي التركي خاصة وأنه يعاني تناقضات وصراعات داخل حزبه -العدالة والتنمية- كما أن شعبيته قد تدنت كثيراً خلال المرحلة الماضية، ولاسيما وهو مقبل علی انتخابات، لهذا يجهد لتحقيق إنجاز وهمي خارج حدود بلاده لرفع رصيده الشعبي. لكن السؤال الأبرز في هذا السياق، هل تلك الأطراف تسمح بامتلاك أوراق الابتزاز والقوة للضغط عليها وتوجيه إستراتيجيتها في المنطقة، وصولا نحو تقليص مكاسبها وكبح جموح أطماعها على الأرض؟، يقيناً هذا الأمر لن يكون ويستحيل أن يصبح واقعاً على الأرض، وهذا ليس استنتاجاً وقراءة في أبعاد ودلالات المواقف والتصريحات والتداعيات المرتقبة للعدوان، بل هو حقيقة تؤكد وتمليها إستراتيجية وقبضة الجيوسياسية، فمن المستحيل أن تترك الدول الكبرى والدول الفاعلة والمؤثرة في المنطقة لأردوغان الحبل على الغارب ليتصرف كيفما يشاء، وليفرض شروطه وأحكامه على الجميع، ولعل تأكيد ودلالة هذه الحقيقة تجسّدت خلال اليومين الماضيين بالموقف الأميركي الملتبس بين إعطاء الضوء الأخضر للنظام التركي لشن عدوان دون حدود، وبين تهديده بعدم تجاوز الخطوط المرسومة له، وهذا أيضاً ينطبق على الموقف الروسي الذي كان واضحاً وصريحاً في إدانة العدوان. ضمن هذا السياق برز الموقف الأميركي أمس مناقضاً لما كان عليه قبل ساعات، حيث زعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه لم يتخلَّ عن ميليشيا «قسد»، برغم علاقة واشنطن المهمة مع تركيا العضو في حلف شمالي الأطلسي والشريك التجاري للولايات المتحدة بحسب ما قاله ترامب، وهذا يوافق ما زعمه السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام المقرب من الرئيس ترامب الذي قال إن تركيا لا تملك ضوءاً أخضر للتوغل في شمال سورية. وفي سياق الإدانات الدولية للعدوان فقد أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضرورة احترام سيادة سورية ووحدة أراضيها. وأعلن الكرملين أن بوتين شدد خلال اتصال هاتفي مع رئيس النظام التركي على ضرورة احترام سيادة سورية ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية وعدم تعريض الجهود الرامية إلى حل الأزمة في سورية للضرر. بدوره أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ضرورة استمرار الجهود لتسوية الأزمة في سورية وفق صيغة آستنة مشددا على الالتزام بوحدتها وسلامة أراضيها، ودعا لافروف الى ضرورة تفادي أي أعمال تعرقل تسوية الأزمة في سورية والالتزام بوحدة وسلامة أراضيها. كما وصف لافروف موقف الولايات المتحدة تجاه سورية بالمتناقض جداً، وقال:(من الصعب أن أقول ما هو الخطأ في التصرفات الأميركية في سورية، لكنها متناقضة تماماً). وفي طهران جدد المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني للشؤون الدولية حسين أمير عبد اللهيان رفض بلاده للعدوان العسكري الذي يقوم به النظام التركي على سورية مؤكداً أنه يعقّد الوضع في المنطقة ويقوّض الأمن فيها. وقال عبد اللهيان إن سبيل تأمين الحدود هو احترام السيادة الوطنية والتفاوض والاتفاق، مشيراً إلى أن النتيجة المباشرة للعدوان في المنطقة هي تصعيد الأزمة وخلق موجة جديدة من اللاجئين وتزايد الإرهاب. وفي القاهرة أدانت مصر بأشد العبارات العدوان التركي داعية إلى الحفاظ على سيادة سورية ووحدة شعبها وسلامة أراضيها. وقالت الخارجية المصرية في بيان لها إن تلك الخطوة تمثل اعتداءً صارخاً غير مقبول على سيادة دولة عربية شقيقة واستغلالاً للظروف التي تمرّ بها والتطورات الحالية وبما يتنافى مع قواعد القانون الدولي. وأكد البيان مسؤولية المجتمع الدولي ممثلا بمجلس الأمن في التصدي لهذا الوضع بالغ الخطورة الذي يهدد الأمن والسلم الدوليين ووقف أي مساع تهدف إلى احتلال أراض سورية أو إجراء هندسة ديموغرافية لتعديل التركيبة السكانية في شمال سورية. |
|