تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«توقيعات على جدار الزمن...»

ثقافة
الجمعة11-10-2019
ليندا ابراهيم

اهدأ أيُّها القلبُ، ولا بأس أن تواري قليلاً غابة الدموع وراءك.. وأنت أيُّها الإنسانُ، قَرِّبْ إليك الوردةَ ريثما يمرُّ الهواء المريض.. وأنتِ أيَّتها العينُ، التي لها وحدها أن تقول «إني رأيت»، اصبري وغُضِّي.. ريثما يمرُّ القبحُ..

وأنتِ أيُّتها النَّفسُ، هدهدي الألم، وامسحي الجرح حتى يفرخَ روعك.. وأنتَ أيُّها الشَّاعرُ، لا بأس من أن تنحنيَ قليلاً ريثما تمرُّ العاصفة..‏

أمَّا أنتِ أيَّتُها الرُّوحُ، فابقي كما عهدتك: زهرة الحب المتفتِّحة وسط الشتاء، قامةً من نورٍ.. فقط، ودائماً: ريثما يأتي فجرٌ جديدٌ، تماماً كهذا الفجر..‏

  ‏

سبَّحت باسمكَ، قاتلي، حتَّى ضجَّتْ بي دماءُ المظلومين..‏

باركْتُ قلبَ عدوِّي، حتى نضَحَتْ عينايَ بزيتٍ يُبَارِكُ يدَيْهِ وقلبَه.. وشكرْتُ صليبي، تُرى، من أية عيدان وأخشاب مباركات هو، حتى حنا على جراحي الثخينة.. ؟‏

ليتَ شعري، وأيُّ غارٍ سَيَسَعُ ابتهالي لك من أجلهم.. وأيُّ فُلكٍ سيعصِمُهُم من دمي..‏

وطني.. لأنكَ قتلتني بهم، طوبى لك.. حتى يرضى قاتلُكَ، وقتيلُك..‏

أيُّها الحنَّانُ على أبنائك، فقط، بكفنٍ من تراب..‏

  ‏

ليس كل من امتلك لغة وكتب بكاتب.. ولا كل من تنطح للأدب بأديب..‏

كما ليس كل من نظم قصيدة هو بشاعر.. وليس كل من كتب عنه ناقد، أيُّ ناقد، بات موسوماً بأنه أحد أو كل هؤلاء..‏

ليس كل من نشر استحق النشر.. بكل ما ينشره.. وليس كل من أجرى تظاهرة أو ظهوراً أو توقيعاً أو منشوراً أو مقابلة في إعلام رسمي أو اجتماعي يكون قد استحق مضمون ورسالة الأدب أو الثقافة.. بل واستحقاق الظهور نفسه‏

ليس كل من اعتلى منبراً بمستحق هذا المنبر.. كما ليس كل من شغل موقعاً بمستحق هذا الموقع.. ليس كل من شغل مساحة من فضاء وطن أو حجم قبضة تراب يطؤها أو يشغلها منه يكون بمستحقها..‏

ليس كل هؤلاء هم كلهم.. وطننا يستحق أكثر من هذا ليعود بلد الحضارة الأول.. يستحق تلاقي الجهود الطيبة الجديرة وتكاتفها أكثر من أي وقت مضى.. لنستحق هذا الوطن‏

  ‏

كل عمل ليس من أجل الوطن ورفعته وتحرره وحضارته وثقافته ليس عملاً..‏

كل عمل لا يكون لوجه الوطن في أوقات شدته تماماً كما أوقات رخائه ليس عملاً..‏

كل ثقافة لا تستنهض الضمائر وتبعث الكامن الأنقى والجوهر الأصفى من النفوس لتصوغها حللا من مجد على جسد الوطن فهي ليست ثقافة..‏

كل كتاب وكل قصيدة وكل رواية وكل لوحة أو صورة فوتوغرافية لا تهدف بمجموعها ومشهدها المتكامل مع غيرها كلوحة فسيفساء في متحف الوطن ليست جديرة بأن تخلد..‏

الوطن أب يمرض ويشفى.. يكبر لكنه لا يهرم..‏

الوطن أم.. تنجب وتلد.. تكبر وتهرم.. لكنها لا تعقم أبداً‏

  ‏

الظل أفضل وأشهى.. فلولاي ما كان.. ولولا ضوئي ما كان ليظهر أو يكون أثراً من آثاري.. ثمَّ إنَّك لن تنال مني أيها الضوء.. وكيف تنال مني ؟وكيف أغدو أسيرتك.. أسيرة شهوتك للإفصاح عن كنهك ومعناك، وأنا من منحك كنهك ومعناك..‏

سأبقى إذاً كرفيقي: الصَّامت كالذَّهَب.. الكامنِ كالجوهر.. المُضْمَرِ كالسِّرِّ.. القاتلِ كالحقيقة.. القليل كالحق..‏

سأبقى كصديقي.. أصمت حتى يشتهي كلامي.. وأغيبُ حتى يستمطر حضوري.. وأحتجب حتى تهتف خلاياه بي اظهري فيَّ الآن فأنا أحتاج بريقك..‏

أنا كحبيبي.. لا أريد إلا المطلق.. المطلق في كل شيء.. أنا هو وهو أنا.. في الحضور والحضور.. والغياب والغياب.. في السر والسر.. في العلن والعلن..‏

أنا هو وهو أنا.. حتى يفنى أحدنا في الآخر.. أو يتماهى فيه حد الذوبان..‏

هو مطلقي.. وأنا حقيقته.. ذاته.. أنا سماؤه.. ذروةَ انبلاجه في أرضي..‏

أنا رحيقه.. حيث ليس ثمَّ زهر إلَّاي.. أحتاجه فينأى.. ويرغبني.. فأبتعد..‏

حتى يقع الضِّدُّ على الضِّد.. وتتعرف الروح إلى شبيهتها..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية