تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


موسيقا ما بعد الحداثة

فنون
الثلاثاء 31-12-2013
علي الأحمد

من مسارات التمرد على الموروث الراسخ إلى فضاءات المجهول والفراغ الابداعي المديد ،تقع الموسيقى العربية في متاهة الايديولوجيات العابرة ،في واقع عربي مأزوم على أكثر من صعيد بات يترك بصماته في التحولات العميقة التي ألمت بهذا الفن.

وذلك منذ أن تبنى الموسيقي العربي نهج الحداثة وروح التجديد ،المبني على منظومة متكاملة من المعرفة العلمية بنسقها الكلاسيكي الذي أمد الموسيقى العربية بمناخات غير مسبوقة في طرق الكتابة والممارسة المفتوحة على صيغ تعبيرية أضافت الكثير من القيم الذوقية والجمالية الى عوالم الموسيقي العربي كما الى المتلقي الذي اكتشف مع نتاجات هذا الموسيقي مسارات أخرى في التلقي والاستماع ،لكن ثمة انعطافات حادة تولدت مع سطوة التكنولوجيا والوسائط المتعددة على كل الموروث القديم ليجد الموسيقي العربي نفسه محاصرا  وسط زحام خانق بات يحيط بهذا الفن نتيجة هذه الايديولوجيات التي جاءت ما بعد الحداثة والتي تمثلها اليوم كما هو معلوم العولمة وأذرعها الأخطبوطية من مكانات انتاجية واعلامية لا تتوقف عن ضخ نتاجات الروح الجديدة في التأليف والتلحين مع صعود حسي للصورة بكامل فتنتها وسحرها الخلاب على ذائقة الأجيال الفتية بما يضمن لها مردوداً ومكاسب مالية خاصة مع بروز البرامج الموسيقية التي تؤله النجم أو ما بات يعرف بصناعة النجوم وصناعة الإجماع عليها «برامج السوبر ستارات وأخواتها» وهو ما أدى في واقع الأمر الى حصار اللغة الفنية العالمة بمناخاتها الكلاسيكية الابداعية ،وبروز للغة التجارية شكلا ومضمونا ،لتتمدد في كافة المنصات الاعلامية فضاءاً وأرضا في سبيل القضاء على ما تبقى من إرث اللغة الموسيقية القديمة وتغييب رموزها ورمزيتها وبعدها الروحي والوجداني الدال.‏

نعم لقد استفادت موسيقانا العربية بشكل لا يمكن إنكاره من التقانات الوافدة لكن جاء ذلك  في كثير من الأحيان على حساب الهوية الوطنية وعناصر الابداع فيها فمن تناقص الايقاعات والمقامات الى تغييب الآلة الموسيقية العربية وغياب فنون الارتجال وغيرها من خصوصيات باتت الموسيقى العربية عرضة لفقدان هويتها المائزة والمتفردة التي كانت أحد أوجه الابداع في الثقافة العربية .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية