|
شؤون سياسية التي انضمت إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، شكلت إحدى ركائز السياسة الروسية في المرحلة الأخيرة من عهد الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن، وخاصة مع تولي ينغيني بريماكوف منصب رئيس الوزراء الروسي، ثم تعززت أكثر فأكثر مع تولي الرئيس فلاديمير بوتين سدة الرئاسة. وشغلت ولعوامل كثيرة جمهوريات آسيا السوفيتية السابقة حيزاً هاماً في هذه السياسة، كذلك شكلت منطقة تجاذب واصطفاف للدول المجاورة و غيرها أيضاً. فقد طرح بريماكوف مبكراً موضوعة التعاون الأورو- آسيوي، وبضمنه جمهوريات آسيا الوسطى، ثم أكد ذلك بوتين حول ضرورة تعزيز العلاقات مع هذه الجمهوريات (كازاخستان، أوزبكستان، طاجيكستان، قرغتيريا، تركمانيا) ويعود هذا الاهتمام الروسي لأسباب كثيرة بدءاً من وجود جاليات روسية كبيرة في بعضها، إلى غنى غالبية هذه الجمهوريات بالثروات الطبيعية وبخاصة مصادر الطاقة، مروراً بمحاولة تطويق التحركات و الاضطرابات و خاصة الأصولية منها و عدم انتقالها إلى الجوار الروسي. فضلاً عن أنها تشكل مجالاً حيوياً سوفيتياً سابقاً، وهي جمهوريات بمجموعها أعضاء في رابطة الدول المستقلة و في العديد من الاطارات التعاونية و التنسيقية الأخرى، و تشهد تجاذبات من قبل دول الجوار السوفييتي السابق. هذا في الوقت الذي سعت فيه و لا تزال الصين إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع العديد من هذه الجمهوريات بسبب من حاجتها لمصادر الطاقة أولاً، و محاذاتها حدودياً لعدد آخر منها، ودرءاً لانتشار المد الأصولي إلى المقاطعات الصينية التي يعتنق جزء من سكانها الديانة الاسلامية و شهدت مؤخراً اضطرابات إثنية، فضلاً عن التخوف من التمدد الأميركي في هذه المنطقة بعد اقامتها عدداً من القواعد العسكرية الأميركية في عدد منها «للمساعدة» في دعم قوات إيساف الاحتلالية في أفغانستان. وتحاذي إيران عدداً من هذه الجمهوريات، و ترتبط معها بعلاقات ثقافية واقتصادية- نفطية أساساً- تتقاسم السيادة على بحر قزوين الذي مسألة توزيع ثرواته بين الدول المطلة عليه غير مرئية. أما تركيا التي توازن بدقة بين تطور علاقاتها السريع مع الاتحاد الروسي (بلغ حجم التبادل التجاري بينها 28 مليار دولار عام 2008، وهو أخذ بالتطور و الازدياد) وبين علاقاتها التاريخية، اللغوية، الثقافية مع هذه الجمهوريات، فضلاً عن محاذاتها أيضاً لمنطقة وما وراء القفقاس الروسي. إضافة إلى المشاريع الاقتصادية القائمة راهناً، وخاصة بعيد تفكك الاتحاد السوفييتي، مع هذه الجمهوريات، وتتجاوز مسألة تقدير الطاقة وطرقها إلى مجموع العلاقات الاقتصادية الثنائية و المشاريع التركية المطروحة من جانب أنقرة، أو بالتعاون مع روسيا لانعاش الوضع في آسيا الوسطى والقفقاس أيضاً. ورغم حالة التجاذبات و الاصطفافات الجارية في جمهوريات آسيا الوسطى هذه بين هذه الدول، وتباينها بين دولة و أخرى. و القدرات و العلاقات التي امتلكتها هذه الجمهوريات السوفييتية السابقة مع جوارها من جهة، وتاريخ الذي امتد لعقود طويلة في إطار الاتحاد السوفييتي من جهة أخرى، فإن حالة التجاذبات لم تصل حتى تاريخه إلى حالة من التباين أو التناقض، بل سعت روسيا والصين إلى اقامة منظمة شانغهاي للتعاون، التي تصنمها إلى جانب العديد من هذه الجمهوريات، و أبدت إيران و باكستان رغبتهما في الانضمام إلى هذه المنظمة الاقتصادية السياسية وغيرها أيضاً. فضلاً عن أن الجامع الأخر الهام بينهم ويتلخص في ردء وتطويق الامتدادات الأصولية التي تشهدها العديد من هذه الجمهوريات من طاجكستان إلى أوزبكستان، و عدم الاستقرار في عدد آخر منها (أحداث قرغيريا العام الماضي و الاطاحة بنظام كرمان باكييف)، والتي ستجد انعكاساتها في دول الجوار، ومن ضمنها روسيا التي ما زالت تعاني من تبعات اشكالية جمهورية الشيشان المنضوية في إطار الاتحاد الروسي و تداخلها مع جوارها القفقاسي أيضاً. كذلك خشية غالبية دول الجوار لهذه الجمهوريات من الوجود العسكري الأميركي «المؤقت» وقواعده في عدد منها بذريعة توفير الامدادات و خطوط النقل العسكري الأميركي إلى أفغانستان راهناًَ وتحوله إلى وجود دائم في منطقة استراتيجية جغرافياً و غنية بمصادر الطاقة و قريبة من بحر قزوين (خزان النفط و الغاز الكبير). إضافة إلى المحاولات السابقة و المؤجلة، راهناً لأسباب كثيرة لتحدد حلف شمال الأطلسي في هذه الجمهوريات، أو اقامة صيغ وأشكال من العلاقات الأميركية معها، وهذا ما يتعارض مع مصالح دول الجوار الآسيوي السوفييتي السابق، ومع طبيعة العديد من أنظمة هذه الجمهوريات، و فهم العديد من قياداتها لهذه التجاذبات والاصطفافات ولخطورة الدور الأميركي القائم والمستقبل أيضاً. باحث في الشؤون الدولية |
|