تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حكاياه.. أما الروح المكسورة..

آدم
الأربعاء 21/11/2007
ر.ع

العم محمود.. أحاول وصفه, لكن لم أعد أذكر ملامحه الشابة, هل كان صغيرا.. وهل كنا نناديه (عم) زمان??

منذ أكثر من ثلاثين عاما جاء إلى حيينا.. سكن في كراج البناء المجاور.. كان الأزواج قد أضاؤوا منازلهم وأثمروا, ومثلهم العم محمود, أضاء غرفته الوحيدة المجهزة بفرشة وبطانية وراديو.. و(بابور كاز) وأثمر ولكن أسرع وأكثر من بقية الجيران, الثمار تحتاج إلى طعام ومياه وتعليم, يدخل عم محمود حلبة الحياة, يصارع بقوة جسده., وبقامته المفرودة.. تقاومه الحياة, فيتحداها, وتتعدد وظائفه يعمل حارسا ليليا لمخزن بضائع نراه في الصباح عائدا يدق الرصيف (بشرواله) وقامته المفرودة, وعصا هي سلاحه في الحراسة.. يبتسم لنا ويعدنا أنه سيكون بانتظارنا عندما نخرج من المدرسة..‏

نخرج لنجده ينادي على الفول النابت نتحلق حوله وتستنفرنا الرائحة الشهية.‏

يعود إلى منزله كي ينام قليلا.. أهلنا مطمئنون علينا في لعب العصاري على الرصيف لأن (عم محمود )دائما صاح يضع كرسيه أمام (دكانه) عفوا منزله ويراقبنا, ينهرنا أحيانا ويبتسم لنا دائما.‏

نكبر, يمتلأ الشارع أجيالا كلها تعرفة وتحبه وتثق في شهامته وأمانته.. ننتظر بفارغ الصبر صحن الفول من يديه.‏

يأتي بشر ويذهبون, وهو يناضل صامدا ليعيش أولاده مستقبلهم في شقق مرتفعة لها نوافذ تتبادل الشمس والقمر الدخول إليها.‏

ويأتي يوم انكساره.. منذ سنوات قليلة تلاميذ المدارس باتوا قطعانا لم تتعلم آداب الطريق ولا احترام الكبير وسط دخان السجائر يتقاذفون العبارات البذيئة بأصوات صاخبة تجرحنا وتلوثنا وتديننا, لغتهم هي حصيلة أغان هابطة, يجربون رجولتهم بالتحرش بابنة عم محمود الصبية الصغيرة, بهدوء وأخلاق الرجل الشهم ينهرهم (عيب ياولاد امشوا) عبارته المؤدبة تحوله إلى (مضحكة) تطمئنهم على ضعفه لحظة ويلتفون حوله, يضربونه, يسقط وسطهم بكتف مخلوع وذراع مهشمة ونفس مكسورة, يسقط عم محمود, يحني رأسه.. هامته, يعود من المشفى بذراع داخل لفائف (الجبس) يده ترتعش وهو يقبل نقود المساعدة وهامته تنحني أكثر يتمنى لو يختفي, ونتمنى أن نعتذر عن سلبيتنا..‏

العم محمود لم يعد ينظر في أعيننا, لم يعد يبتسم لنا.. أيام قليلة وسقطت مقاومته ليصاب بشلل نصفي نتيجة الانكسار.‏

الرصيف الذي كان شاهدا على صوته ولعبنا, أصبح شاهد الإهانة له, والإدانة لنا..‏

سقط الجسد من ثقل النفس المكسورة, وفي صباح حزين انسحب »العم محمود) مكسورا, مازال يجلدنا حتى بعد رحيله, لماذا لم ندافع عنه? ومن ملأ الرصيف بأطفال لم يتعلموا الأدب, ولم يحفظوا إلا التلوث?‏

لماذا لا نغلق المدارس ما دامت لا تعلم الأدب ليعود الرصيف نظيفا.. ونفي العم محمود بعض حقه علينا?‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية