|
دراسات التي جرت وأن تكون الأحداث والتحولات أوسع من مسافة الزمن ومساحته, نحن نرصد عمراً سياسياً بدأ من العام 1970 واستقر على عتبات اللحظة الراهنة وهذا يعني أن هناك تحولات طبيعية طرأت على الإنسان فمن كان في خريف العمر انتقل إلى جوار ربه ومن كان شاباً فقد شاب الآن ومن كان يافعاً فقد شب عن الطوق وهو في أوج عمره. وأما أولئك الذين جاؤوا فيما بعد فهم مواليد شاءت الأقدار أن يأتوا وكل شيء جاهز ومستقر, ولن يكون هذا المنسوب العمري مجرد رقم عددي أو تراكم كمي في حياة الإنسان, بالتأكيد كان هناك من التحولات واستيعابها من الإنسان ما يكفي لكي نضبط خط العمر على قاعدة الأحداث ومواكبة المتغيرات ونعترف سلفاً بأن هذه المسألة لم تنل نصيبها من البحث والدراسة ومن البرمجة والتوزيع وتثبيت مصادر العلاقة بين الإنسان وتراكم السنين عبر هذا المدى الواسع وكأنما اطمأن الزمان إلى من يعيشه من البشر واستقرت حركته على إيقاع نمطي بعيداً عن المجازفة ورحلة البحث عن المخاطر, وكأنما الإنسان بالمقابل استقر على إيقاع الزمن وصار يحسب الأمور بدقة عبر قاعدة الحفاظ على الموجود خير من المغامرة غير المحسوبة أو الخروج عن الدائرة المغلقة لوحدة الحركة في الإنسان والزمان, وفي صيغة موازية كانت هذه الأعوام الطوال تشهد تحولات عميقة ونوعية هذه المرة. ونستطيع أن نتخير ثلاثة عناوين من هذ التحول النوعي الخطر, عنوان أفقه العالم بما حدث فيه من انهيار للمنظومة الشيوعية الاشتراكية بدولها وأيديولوجيتها ونظمها التربوية والسياسية حتى إذا ما بدأنا مع عقد التسعينيات من القرن الماضي أدركنا تماماً أن الصورة صارت بمشهد واحد وبقطب واحد وتخلقت منذ تلك اللحظة المقدمات الأّم لنشوء النظام العالمي الجديد. ولم يكن هذا العنوان مجرد انفجار في العالم الآخر أو في العالم البعيد كان الأمر يتصل بواقع دولي وعلاقات دولية وتجارب وخيارات سياسية. إن سقوط المنظومة الاشتراكية كان يحمل معه في ذات اللحظة انعكاسات خطرة واستجابات أخطر مارسها المستضعف والمستبكر معاً, لكن المستضعف استكان وانزوى واعتصم بالزاوية المهجورة, نموذج منه قضى نحبه ومات بموت الشيوعية ونموذج ثان ينتظر على الدور يحاول أن يجد مخرجاً وقد ينجح وقد يفشل ونموذج ثالث كان يقول لن نبدل تبديلاً, كانت بقع صغيرة على الخارطة كبيرة في تأثيرها السياسي مثل سورية وكوبا وكوريا الشمالية وفيتنام ولاحقاً مثل البرازيل ونيكاراغوا تحاول أن تستقطب جهدها في ذاتها لتصنع منه اليقين الأولي بأنها في المنطقة الآمنة والمنطق السليم وبعض من هذا النموذج كان يدرك سلفاً بأن عليه أن يضع الاحتمالات ويعد العدة للتقلبات القادمة. أما العنوان الثاني فيما تغير عبر هذه الأعوام الطويلة فهو واقع العرب وفي أساسه ثلاثة موضوعات مهمة هي مدى صلاحية نزوعهم القومي وهدفهم في الوحدة للبقاء أو للاستثمار, ثم تأتي مسألة الصراع العربي الصهيوني وقد جرت عليها مقادير مفزعة وتبديلات قسرية أطاحت بكل المستقرات السابقة ومهدت لنمو جيل من السياسات التي وصلت الآن إلى درجة أن يكون الاجتماع مع المسؤول الإسرائيلي هو أحب على صانع القرار العربي في النظام الراهن من أي خيار آخر حتى وصلنا إلى اللحظة التي تصدر التعليمات فيها من واشنطن إلى الأنظمة العربية بدون مقدمات ومتن ونتيجة كما هو الحال في الدعوة إلى مؤتمر أنابوليس في ولاية ميرلاند الأميركية. وثمة مسألة أخطر من ذلك حينما صارت السياسات العربية الراهنة تعتبر أن من لا يندمج مع الوضع الجديد ومع المطلب الأميركي هو متهم وشارد ولا بد من أن يعاقب لكي يعود إلى جادة الصواب الأميركي الصهيوني, ثم جاء العنوان الثالث من التحولات التي أخذها هذا القطاع الزمني الطويل وقد استجد وانسكب في لحظة واحدة عبر مفهوم صياغة الفرد العربي من جديد بفكر مودرن وماركة أميركية وثقافة اغترابية وإعلام تهريجي تلغي كل فقرة فيه الفقرة الأخرى. حتى لقد بدا واضحاً أن المطلوب في الوطن العربي هو ذلك النموذج المنهك الدائخ المنفتح على الرغوة والشهوة وحفلات الاستهلاك والذي يثبت براءته مما كان بانتسابه النهائي لما هو محيط به ومستحوذ على عقله وغريزته وأدائه السلوكي ونمط تفكيره, صار المطلوب هو ذلك الإنسان الذي ما زال قلبه ينبض ولكن عقله معطل أو مشوش أو مريض,كانت الحكمة من هذا العنوان عبر الخيارات الغربية الصهيونية هي أن يتشكل الإنسان العربي المعاصر بمنطق, ما هو مرصود ومقصود للعرب وعلى قواعد جديدة مستجدة مضمونها العام أن يتحول العربي إلى رقم مستهلك نهم وقد تخلص من وعثاء السفر في التاريخ وتبعات حمل مسؤولية المسارات العربية المعروفة كالتحرير والوحدة والاندماج في العصر وبناء الذات المتوازنة وتأمين مستلزمات التنمية والبدء بالبحث العلمي واستثمار الخبرة وتوطين التكنولوجيا. حتى هذه اللحظة صار لدينا ثلاثة عناوين متكاملة برغم تباعدها الجغرافي والسياسي وهي جميعاً تقع في إطار منسوب زمني استغرق حتى الآن سبعة وثلاثين عاماً, أي منذ عام التصحيح 1970 إلى عام اللحظة الحرجة على نهاية 2007 لقد أردت من كل ذلك أن أدمج فكرة التصحيح مع مستحقاتها من مسيرة الزمن واستيعاب الإنسان وفاعلية المواقف, لأن المحطات الكبرى ليست ذات طبيعة احتفالية ولا تحتمل صيغة الأداء الوصفي, ولا تعترف على الإيقاع النمطي الذي يتكرر ولا يتطور ويراوح في المكان بطريقة العادة المستحكمة. من هنا كانت هذه النظرة النقدية المنهجية في أن ندقق بكل هذا الناتج وهو كبير بالتأكيد وبكل هذه المحصلات وهي ذات حضور مؤثر بالتأكيد ولا يعقل أن نستنفد أفكارنا وأغراضنا معاً من قيم التطور وضرورات الفهم المستجد واستيعاب ما هو وافد بصورة منظمة أو انفجارية, وفي هذا الصدد لا بد من الموضوعية والشجاعة معاً لأن العدو الأول للتطور هو المدعي المكتفي بما كان والمشدود إلى الأوتاد المبثوتة وكأنها محاور الدنيا والعدو الثاني للتطور هو ذاك الذي أغلق وعمل بقاعدة ما ترك المتقدمون للمتأخرين شيئاً والعدو الثالث للتطور هو ذاك الذي اكتفى بالمجد التليد وصار يدور حوله باعتباره قطب الرحى معتقداً بأنه حقق ما فيه الكفاية بل وما يزيد وبأنه استكان الآن لمهمة, أن يتذكر ويستذكر ويرفع الأنخاب مع كل عام إحياء لذاك المجد التليد. وفي الاتجاه الثاني وهو مرتبط بالأول ممتد إليه ومؤثر فيه تفرض مسألة استثمار المنجز بمستواه السياسي والمادي في نطاق حاجات اللحظة الراهنة من جهة واحتمالات المواقف المتفجرة من جهة ثانية وهنا تقع واحدة من أبرز مفاهيم التصحيح فالحياة مفعمة بالمخاطر والتحديات لا تتوقف وهناك عالم متغير ودويه يصم الآذان ويخترق الوجدان ولا بد من طرح السؤال الكبير عبر ذلك بشقيه المتكاملين.شق يقول إلى أي مدى نستشعر الواقع ونتحسس بالمخاطر ونقيس وجودنا كله بما هو مخصص من النظام الدولي الجديد للعرب بوجودهم وثرواتهم وقضاياهم, والشق الثاني يقول إلى أي مدى يمكن أن نفيد من تجربتنا التاريخية وهي واسعة الأبعاد دامية الحواشي فيها التجارب السياسية والحروب الكبرى مثل حرب تشرين والانقلابات الخطيرة مثل الاستسلام للعدو والأحوال المريرة مثل غزو العراق واستنهاض عوامل الفتنة في كل أرض عربية. إنه مشوار حقيقي وإن بدا دامياً أو منهكاً فالمهم هو أن يبقى السؤال حاضراً لتكون الإجابة مستدعاة للحضور أيضاً, إلى أي مدى سوف نستثمر حصيلة الأْعوام الطويلة والشهداء شهود عليها وفيها والكبار أعطوا عمرهم لها وضحوا حتى الرمق الأخير ثم غادروا هذه الدنيا العربية وآخر دعواهم أن اعتبروا أيها العرب, استفيقوا أيها العرب لقد أعطيناكم لحظة البدء وبقي عليكم أن تتحركوا إلى الأمام, أن تصونوا الأمانة وتؤدوا الرسالة ليس من أجلنا بل من أجلكم ومن أجل أطفالكم الذين سيحاصرونكم غداً أو بعد غد بالسؤال المر ماذا أضفتم? هل حافظتم على ما كان, هل وظفتم الذي تحقق في البحث عن الآتي الذي لم يتحقق, إنها ليست مجرد ومضات ولا هي انطباعات عابرة بل هي محطات العمر العربي والفقرات العليا في عمق التصحح عبر مضمونه أو على ضفافه المفتوحة, هناك باستمرار شيء ما استنفد أغراضه ولابد من إزاحته وإراحته, وهناك شيء ما يستدعي التجديد والترميم وبصورة عامة هناك ما يجب حذفه وهناك ما يجب إضافته, لعلنا نستذكر جميعاً في هذه اللحظة أننا في سورية استوعبنا القاعدة وأعطيناها حقها من الفهم وفي الاعتناق, لكنا ما زلنا في اللحظة الحرجة وقد طالت على الكثيريين وأطالها الكثيرون, إن الزمن والإنسان والتطور هي المقادير والمعايير معاً وهذا هو جوهر التصحيح. |
|