تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


جنيف2... الشعب الحاضر والأباطيل المنهارة

شؤون سياسية
الجمعة 31-1-2014
بقلم الدكتور فايز عز الدين

ماذا سيأتي بعد جنيف2؟ كان هذا السؤال شاغلاً لكل مَنْ له صلة بالأزمة السورية بدءاً من شعبنا، وانتهاءً بأعدائه الذين خطّطوا، وعملوا، وجمهروا آلة الحرب الهمجية عليه ومرتزقتها من العالم المتخلّف الغارق بالظلام العقلي،

ومن العالم المتحضر الذي يدّعي الحرية، ويفتح الطريق للإرهاب، والإرهابيين... نعم لقد راهن الذين كانوا وراء انزياح العقل العربي عن مبادئ الشعب والأمة وقضاياهما الرئيسة في طرد الاحتلال الصهيوني، واستعادة الدولة العربية الواحدة، وقوتها الاقتصادية والمجتمعية لكي يدخل الجميع في حرب مزعومة ضد الاستبداد، وتهبُّ نار الحرب الأهلية الطائفية في كل مكان على أرض العرب مقاومةً لمن يستبدّ بالحكم عند العرب، لا مقاومةً لمن يحتل الأرض، ويهدد الوجود العربي برمّته على أرض العرب...‏

ولكيلا يكتشف أصحاب المصلحة الحقيقية في تحرير ما احتلَّ من أرض المخطط الصهيوأمروأوروبي عليهم رأينا كيف عملوا على تسريع وتائر الأحداث حتى تسقط النظم العربية، وينهار النظام الإقليمي العربي، وتبدأ الحروب الأهلية، ومن أخطر ما مارسوه من خبثٍ أنهم - أي الحلف المذكور - صاروا حريصين على الإسلام بعد أن جعلوه قبل عقد من الزمان العدو الدولي الوحيد للعالم المتحضّر، أمّا اليوم فصارت أميركا زعيمة هؤلاء حريصةً على الإسلام والمسلمين لكن خارج أميركا قطعاً... ورغم فشل ما خططوا له عبر صمود الدولة والشعب والجيش والطبقة المثقفة في سورية، وما انعكس هذا على استعادة المصريين لثورتهم الحقيقية، وتونس كذلك، وها هي الكذبة تنهار كذلك في اليمن، والعراق، ولبنان لينكشف أمام الشعب العربي المخطط الأمروصهيوأوروبي جلياً...‏

في هذه الظروف سارع هؤلاء إلى عقد مؤتمر جنيف2 لاتقاء حالتين حاسمتين على المعسكر المذكور: الحالة الأولى أن انتصارات الجيش السوري والشعب المساند له، وانعدام الحاضنة التي فرضوها بالاختطاف أصبحت تنذر الإرهاب وداعميه بقرب المصير الأسود بالنسبة لهم، والحالة الثانية أن الدول المكلفة بدعم الإرهاب في سورية أصبحت تعاني من ارتداداته عليها، وهذا يعني أن السوريين الموحّدين سيخرجون الإرهابيين ويعيدونه إلى دول المنشأ، والأمر الثاني أن دول المنشأ الإقليمية (تركيا، السعودية، قطر، والأردن، وإسرائيل) أصبحت على عتبة عدم استقرار سياسي، وقد تكون الحركات الشعبية قادرة على تقويض السلطة في هذه البلدان، وتبقى سورية كالجبل الشامخ، وتكون إسرائيل قد وقعت في الفخ بدل أن يكون تدمير الدول الوطنية العربية هو الذي يجب أن يحصل... وبناء عليه كان لا بدّ أن ينعقد جنيف2 حتى لا يفلت زمام الأمر من يد الحلف غير المقدس على سورية، وكذلك على العرب، فانعقد المؤتمر ليظهر للعالم -من جلسة الافتتاح- أن الحلف المذكور كان نسقاً واحداً ينطق بالعداء لسورية الشعب والدولة في جوقة أعطت الانطباع المباشر أن هؤلاء الردّاحين لم يأتوا من أجل شعب سورية، بل من أجل مصالح أميركا وإسرائيل، ولم يحملوا معاناة الناس مما فعله بها حصار الحلف المذكور لجماهير سورية وجعلها تعاني من صعوبة العيش والحياة، ولم يقولوا كلمة تُشعر الشعب في بلدنا بأنهم يعرفون واقعه الحقيقي، وما هو فيه من محنةٍ إرهابية دمّرت البشر والشجر والحجر. وعلى سُنّة لا تكرهن أمراً لعله خير، صار المتابع السوري يقارن بين خطاب الوفد الرسمي لبلده، وبين خطاب هؤلاء الذين انقسموا قبل جنيف وخرج من ائتلافهم غالبية، وجاء بهم إلى جنيف روبرت فورد العرّاب الأميركي، ثم أدخلهم إلى قاعة الافتتاح... وهذه اللحظة أعطت لشعبنا برهانها القاطع على أن هؤلاء (الإسطنبوليين) ليسوا المعارضة المحترمة الوطنية التي لم يستنكر لها عملاً طالما أنها مؤمنة بالوطن الحرّ السيد المستقل، ورافضة للتدخل العسكري فيه، وباحثة عن شراكة ديمقراطية، ورافضة للإرهاب ومَنْ يدعمه ويموّله من دول الجوار..‏

نعم هذه المعارضة لم يرها شعبنا في جنيف ثم لم يرَ أن الذين حضروا هنالك باسم المعارضة يحملون تفويضاً كما هو حال الوفد السوري الرسمي... وحين بدأت الجلسات صارت الأضاليل تنهار فوراً، والدجل السياسي ينكشف حيث إن القسم الذي أحضرته أميركا والسعودية من المعارضة -رغم افتقاده للشرعية وعدم تفويضه- جاءت طروحاته مجتزأة، محدودة، وغير مقبولة حتى من بعضهم البعض. وبدأت الجلسات تعطي معايير الوطنية الصحيحة عبر الخطاب المقدم أي كيف يهتم الوفد المعارض بمنطقة من سورية حمص، وبمنطقة من حمص الحي القديم، وكأن المخطوفين دروع بشرية لا يهمون هؤلاء في شيء؟ وكيف تكون للوفد المعارض الممرات الآمنة ضرورة إنسانية، وهي ممرات موجودة وتستخدمها وفود الأمم المتحدة، والدولة تساعد في مرور المساعدات؟ ثم هل مشكلة سورية فقط هي كيف نفرج عن أربعمئة إرهابي محاصرين باسم الممرات الآمنة، أو لا بد من تثبيت فكرة الممرات حتى تكون محطّ قدم جديد للتدخل الدولي؟ ثم أين الحديث عن برنامج المعارضة لتخليص السوريين من قطعان الإرهاب التي مازالت تقتل من تشاء من شعبنا وتقطع الرؤوس؟ إن مؤتمر جنيف قد كان فضيحة كاملة للحلف الأمروصهيوأوروبي وعملائه في العرب والمسلمين، وقد حقق نجاحات كبيرة لم يرغب الحلف المذكور بها ونعدد منها: 1)- رغم الغطرسة في الانتقائية واستنساب ما يناسب الحلف المذكور ثَبّتَ جنيف2 حقيقة تطبيق جنيف1 كحزمة واحدة تنفذ معاً فسقطت أحلامهم في الانقضاض على السلطة واتضح أنهم لا يفكرون بسلطة الشعب بل بأحلامهم النرجسية في السلطة. 2)- ثَبّتَ المؤتمر أن أي حلّ غير الحلّ السياسي ليس له طريق. 3)- ثبت المؤتمر أن الحقيقة على الأرض السورية ليست كما يقول المضللون، وفي الواقع الشعبي السوري وقائعٌ لا يعرفها ويتمسك بحلول لها سوى الدولة. 4)- ثبت المؤتمر أن الوفد الرسمي قادر على دخول الحل في أي مسألة ومفوّض، أما الطرف الآخر فليس لديه أي قدرة أو تفويض. 5)- ثبت المؤتمر أن الإرهاب الدولي قد تم ضخّه إلى سورية ومن مهمة العالم كله إنهاؤه في سورية وعدم تركه ينقل شروره إلى دول العالم. 6)- ثبت المؤتمر أن المسألة السورية لم تبق عند حراك فئة من الشعب لها مطالب محقّة، فقد دُفِنَتْ هذه القضية لتصبح المسألة السورية هي الهدف الكبير للحلف الصهيوأمروأوروبي وعملائه في تدمير الدولة السورية التي هي قلعة المقاومة ومن بعد الإجهاز على منظومة المقاومة العربية في كل مكان حتى يتم تسليم إسرائيل مفاتيح المنطقة وتعلن الدولة اليهودية السيدة على الإمارات الكانتونية العربية المتقاتلة في حروب طائفية إلى الأبد. 7)- ثبت المؤتمر للطرف الإقليمي المعادي وللدولي كذلك أن الجمهورية العربية السورية حقيقة شعبية دولة مؤسساتية، دستورية ولا يمكن أن تؤخذ من الخارج، وأن الذين ينسفون الأمن والاستقرار فيها ليسوا دعاة حرية بل إرهابيون. 8)- ثبت المؤتمر الوزن الدولي لسورية الدولة الشعبية فبدأت تتغير المفاهيم حولها وتسقط الأضاليل التي مازالت الفضائيات المعادية تبثها. 9)- ثبت جنيف2 أن شعب سورية سيدُ نفسه ولن يقبل أن أحد أن يفرض أو يملي عليه إرادة خارجية عميلة الغايات. 10)- ثبت المؤتمر أن ما استطاعوا أخذه في الميدان رغم الدعم الدولي تسليحاً ومرتزقة، لا يمكن أن يأخذوه على طاولةٍ ينطقون عليها لصالح أميركا وإسرائيل. وما سيفرح جماهيرنا في الزمن القريب أن الذين استهدفوه هاهم غارقون في مطاردة اللعنة السورية لهم فأردوغان على شفير الهاوية، وفرنسا هولاند لن تبقى والحبل على الجرار.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية