|
هآرتس ولو تطورت الامور على نحو مختلف، فربما كانت مسألة ايران أخذت منحى مختلفا اليوم. ولكن ما حدث أن استراتيجية اوسلو اصطدمت بايديولوجيا اخرى اقوى منها، وهي ايديولوجيا منظمة غوش ايمونيم التي يعتبر برنامجها منذ السبعينيات، هو الاساس لسياسات حكومات اسرائيل. وحتى الحكومات التي كانت شكليا بعيدة عن استراتيجية غوش ايمونيم عملت على تنفيذها في الواقع. وقد تفاخر ايهود باراك أكثر من مرة بانه وخلافا لرؤساء وزراء آخرين، فإنه لم يعد أرضا للفلسطينيين ولا حاجة للاشارة الى الارتفاع في عدد المستوطنين في فترة ولايته كرئيس للحكومة. وحكومة ايهود اولمرت، التي تبنت خطة فك الارتباط أجرت محادثات مع مسؤولين فلسطينيين كبار بشأن عملية التسوية، ولكنها رغم ذلك لم توقف مشروع الاستيطان، الذي يتعارض مع كل تسوية. والاستراتيجية التي تتبناها الحكومة والمشتقة من ايديولوجيا غوش ايمونيم بسيطة وواضحة وتقضي باعتبار حرب 67 استمرارا لحرب 48، سواء من حيث الاستيلاء على الارض أم من حيث التأثير على السكان الفلسطينيين. وهذه الاستراتيجية تعتقد بأن حدود الاحتلال في حرب 67 هي الحدود التي يجب أن تقررها اسرائيل لنفسها، وأنه بالنسبة للفلسطينيين الذين لم يهربوا او يطردوا من اراضيهم، يجب اتخاذ سياسة قاسية تشجعهم على الهرب، وتؤدي الى الطرد وذلك عبر حرمانهم من حقوقهم ودفع المتبقين في المنطقة المحتلة إلى وضع يكون مصيرهم لا يعني أحداً، باعتبارهم مواطنين ليسوا من الدرجة الثانية، بل أقل، ويجب ان يكون مصيرهم مثل مصير لاجئي حرب 48، ومن لا يرغب بأن يكون لاجئا يجب تحويلهم الى غائبين. وخلافا للفلسطينيين الذين مكثوا في ارضهم بعد حرب 48، من الواضح أن الفلسطينيين الموجودين في الضفة الغربية لن يحصلوا على حق المواطنة الاسرائيلية بسبب عددهم الكبير، وهذا طبعا أمر لا يعني احدا. ان ايديولوجيا حركة غوش ايمونيم لا يحركها دافع سياسي، بل ديني. وحسب هذه الايديولوجيا فإن اسرائيل هي لليهود فقط، وغير معني بها الفلسطينيون ليس في الضفة الغربية وقطاع غزة وحسب، بل داخل الخط الاخضر أيضا الذين يتعرضون للتمييز في حقوق المواطنة ونزع حقهم في المواطنة. وهذه ببساطة تمثل استراتيجية الاستيلاء على الارض واستراتيجية التمييز العنصري. وهي استراتيجية تتجاهل الجوانب القانونية لملكية الارض وتتجاهل حقوق الانسان والتصريحات التي تتحدث عن المساواة. كما انها استراتيجية ذات نفس طويل والمهم بالنسبة لها هو التقدم الدائم. ولكنها ايضا استراتيجية لن تضيع أي فرصة تقع في يدها، مثل تشكيلة الكنيست الحالية والمواقف غير الواضحة لرئيس الوزراءمن أجل الدفع لتحقيق أهدافها. وسياسة الفصل العنصري هي طريقة حكم غير ديمقراطية تشمل التمييز في الحقوق بين البيض والسود والتي كانت متبعة في جنوب افريقيا. اما في إسرائيل فانه توجد فئتان سكانيتان، احداهما تتمتع بكل الحقوق والحمايات، اما الاخرى فلا حقوق لها وتتحكم بها حكومة من الفئة الاولى . وليس غريبا أن الكثير من السياسيين يعتبرون ايديولوجيا غوش ايمونيم سلما لتحقيق تطلعات سياسية شخصية. ومنهم مثلا زبولون هامر، الذي استخدم هذه الايديولوجية للوصول الى رئاسة حزب المفدال، وأرئيل شارون استخدمها للوصول إلى رئاسة الليكود، وغيرهم كثر مثل حنان بورات . هذه الايديولوجية ترى في خلق نظام فصل عنصري مصلحة اسرائيلية،وليس لديها مشكلة في وجود نشاط غير قانوني أو حتى جرمي، وذلك لانها تعتمد على القوانين العليا التي تبنتها، والتي ليس لها أي صلة بقوانين الدولة، وهي تعتمد على التفسير الخاص لليهودية. وحتى نشاطها المتعارض شكليا مع سياسة الحكومة يحظى بسرعة شديدة بدعم من جانب الحكومة. وحقيقة ان الحكومة هي عمليا أداة لغوش ايمونيم وأتباعها لا تغيب عن نظر كل من لديه مصلحة مع المستوطنين، وهكذا نشأت ازدواجية قوة، وتجلت في نجاح كبير جدا كان لهذه الايديولوجيا بالذات في الولايات المتحدة. والمتنافسون على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة يتنافسون بينهم على من يؤيد اسرائيل والاحتلال اكثر. ومن تبنى منهم موقف بوش الاب، فإن هذا سيؤدي الى انهاء ترشيحه. وسواء كان السبب الاشكالية في علاقات الغرب مع الاسلام، أم قوة اللوبي اليهودي، المدمن تماما على ايديولوجيا غوش ايمونيم فإن النتيجة واضحة. ليس هذا بسيطا بل ولعله ليس ممكنا للرئيس الاميركي أن يتخذ سياسة فاعلة ضد سياسة الفصل العنصري في إسرائيل، وهي سياسة لا تسمح بالاعتراض والانتقاد، حيث تمنعه ايديولوجيا غوش ايمونيم وتمنع كل محاولة لوقف نشاطها. وحتى عندما يدور الحديث عن عمل غير قانوني بل واجرامي، لا بد ان يتحول النشاط غير القانوني إلى نشاط قانوني سواء من خلال تغيير القوانين ام اعادة تفسيرها بما يتوائم مع ايدولوجيا غوش اومنيم وما شابهها . بقلم: عاموس شوكن |
|