|
ثقافة أدباء أقامت روائعهم علاقة صداقة مع فن «القص اليومي» كما يسمونه , الفن الذي تغلغل في أعماق الرواية والشعر الوجداني وصولا الى المسرح الصيني العريق . ففي «الدفاتر السرية» للروائي والقاص الصيني الكبير لي يو ينطلق البطل في رحلة البحث ليس فقط عن الحكمة انما عن السعادة أيضا التي ستساعده على العيش بشكل أفضل ,لكن كيف لذلك أن يتحقق ؟ يجيب لي يو على هذا التساؤل من خلال الأمثال والحكم التي تمهد الطريق أمام الانسان حين يفكر في السعادة فيقول : هي أصلا في متناول يده تقع على مرمى بصره في حديقة منزله فالحدائق المنزلية تشكل بوصلة هذا البحث بل متعة دنيا الحياة الصينية , ففي تلك الحدائق الأفقية حينا والشاقولية حينا آخر تنتشر كما في رواية «الدفاتر السرية» المانوليا والكاميليا وعود الصليب . فالحديقة المنزلية سواء كانت في القرية أم في المدينة الصينية هي ملجأ الانسان الساعي وراء التأمل والاسترخاء والحلم على ضوء القمر , حتى الجبال والصخور كما يقول لي يو تستطيع بعطر اعشابها أن تحمل لنا الراحة النفسية والهدوء والسكينة مطلب أي كائن حي في كل زمان ومكان . وكان هذا الموضوع قد شغف الأديب شين فو في مذكراته «المؤدب الفقير» حين يجالس الأورخيدا واللوتس والنرجس والأقحوان وشجيرات الخيزران فتحمل له تلك المساكنة راحة الفكر والجسد . يقول فو في تلك المذكرات : كلما جاء الخريف أعود الى حديقتي الحبيبة لأنعم بعشق الاقحوان وألتقط منها باقة أداعبها كمن يداعب طفله , أنظر الى القرفة واعوادها الشقراء أستنشق رائحتها السماوية وأنا اعلم أنه بعد نموها هذا سيأتي العدم والموت كما هي الامجاد والثروات التي ستنتهي الى العدم . وفي الحدائق الصينية كما تسجل الروايات والقصائد يكتشف المرء مع كل خطوة وجهة نظر جديدة وأبعاد متباينة للجمال , جمال الطبيعة وتوارد مشاهدها مع النفس البشرية ..من هنا جاءت اهمية البحث عن السعادة في الحديقة المنزلية والحديقة الداخلية للانسان وهنا نتذكر قول فولتير : «علينا أن نزرع حديقتنا ونحرثها لتعطينا ثمارا» ويتابع لي يو : ان الربيع هو فصل لقاء السماء والأرض . أما الأديب ين ماي فيتابع مسيرة لي يو بعد قرن من الزمن حيث ينصرف الى زراعة حديقته بعد استقالته من وظيفة رسمية حيث كان يعمل مستشارا للامبراطور في ذلك الوقت , يوم ضربت المجاعة مقاطعة لي شوي وادت الى اعمال عنف دونها ماي في روائعه الأدبية التي تظهر فيها أخلاقياته وتصرفاته المليئة بالحكمة واحساسه بالاخرين ففي قصيدته «متع المدينة» يعبر ماي عن احساسه بالجياع والمعاناة من مآسي الفاقة اذ يشيد حين ذاك في داره مكانا لايواء الفقراء والمحتاجين وأجنحة تعبرها سواقي المياه العذبة كما عالج مشاتل الخيزران السقيمة والورود المريضة وفي تلك الدار استقبل ماي مشاهير أدباء عصره (نهاية القرن الثامن عشر) وهو عصر نهضة الأدب الصيني اذ لم يتم الخمسين من عمره حتى أصبح من أبرز كتاب عصره وانتشر اسمه جنوب شرق اسيا ويومها أصدر الجزء الأول من مجموعته «زبويو» أي مالم ينطق به المعلم (وهي عبارة مقتبسة من محادثات كونفوشيوس )التي تنتمي لما يسمى «الغرائبية» ويتناول ماي في تلك المجموعة التي استغرقت كتابتها خمس سنوات أعمال العنف والفوضى واللصوصية التي اجتاحت البلاد يومذاك ,ولم يتوقف هذا الاديب المتعدد المواهب عند كتابة الشعر بل تطرق للنقد والقص الشعبي بعد الرواية , وعلى نهجه سار كل من جين زيانغ وشي شوكينغ اللذين ترجمت أغلب اعمالهما الى الفرنسية ومنها «بحيرة النساء» في نيسان هذا العام والتي تجري احداثها في مقاطعة نينغ كسيا حيث تتواجد بعض اقليات الصين ومنها قبائل الهوي التي تعتبر من سلالة التجار العرب الذين صنعوا امجاد طريق الحرير .اذ تمتلك تلك القبائل أدبا خاصا بها أيضا تسلط قصص «بحيرة النساء» الأضواء على عشق العرب للحدائق الغناء من خلال يوميات امرأة تعيش مع زوجة ابنها قرب بحيرة تحيط منطقة جبلية تعمل كلتاهما في زراعة بستان الأسرة لاطعام الأولاد وتتوقف المجموعة القصصية عند تلك التفاصيل التي تشغل حياة الناس في تلك المناطق الصينية الرائعة الجمال. اذا هو الغزل مع الطبيعة كما يقول ين :حين نغازل الطبيعة يمتلئ القلب البشري بسعادة تغمره دون ان يدري مصدرها. |
|