تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


رسامو الوجوه ... إبداع في الهواء الطلق

ثقافة
الأحد 3-6-2012
تماضر ابراهيم

عشرون عاما ولازال شريط الغسيل مثبتة أطرافه على جدار قلعة دمشق تتوزع عليه ملاقط الغسيل فتتعلق تلك الصور الجميلة كخلفية لرجل يجلس محتفيا بشخوص تجلس أمامه قليلا ثم تأخذ وثيقتها وتذهب فيأتي غيرها وهكذا ,

ولا يخلو الوقت من بضع لحظات تأمل وتمطط وابتسامة هنا وأخرى هناك وربما لفافة خبز واستراحة يقتنصها الرسام طلال علمدار بين الزبون والآخر يسترد فيها مرونة أصابعه ليعود من جديد لاستقبال زبون آخر .‏

طلال علمدار، القادم من حلب مواليد 1948 ذلك الفنان المسكون بهواجس فن الرسم وخاصة الوجوه الفورية التي يدون معالمها بحرفيته الفنية العالية القادمة من زمن بعيد قضاه في مختبره الخاص الذي جال في أماكن كثيرة من العالم لملم ما أمكنه من خبرة وسرعة أداء أذهل المارة فاستوقفهم أمامه مرارا على ذلك الكرسي الذي يقابل كرسيه وأهداهم ذكرى اللحظة وانطباع الأيام على وجوه تملؤها ابتسامة الرضا والإعجاب بظاهرة تفرد بها وتجرأ على ريادتها وتولاها على عاتقه واعتاش من فتاتها 20 عاما بلا كلل أو ملل بل أضاف إلى معالم دمشق معلما حضاريا استقطب السياح وأهل الشام .‏

أدواته قلم رصاص وآخر فحم وبعض ألوان الباستيل وورق كرتون وعدد كبير من المارة .‏

الفنان علمدار يعتبر أن الرصيف يشكل له مصدر إلهامه وينفذ أعماله بتقشف إرادي وأدوات مادية حملها معه منذ اكتشف موهبته في عقده الأول جال معظم دول العالم وفي كل دولة كان له وقفة مع أناسها معتبرا نفسه أمير فنه وملك موهبته وأدواته، أجاد بما يملك رسم الوجوه التي تستهويه وخصوصا تلك الكبيرة في السن شيقة الرسم بتفاصيل آثار الزمن الذي لم يبق من بريقها إلا القليل .‏

هذه الظاهرة الحضارية الفريدة في دمشق ألهمتني تحقيقا صحفيا حول رسامي الشوارع فالتقيت بمن كان بها خبيرا ...‏

د. محمود شاهين أستاذ النحت في كلية الفنون يقول: رسام الشارع هو من يجلس بالشارع ويرسم في الشارع وبشكل مباشر , وهذا الرسم ليس بالأمر السهل لأنه يحتاج إلى قدرات وجرأة , وهو فن من أجل المال موجود في أوروبا وقد اعتادته الناس ولكن هنا فيه نوع من الغرابة والاستنكار , لكنه مظهر غير سيئ .‏

تصنيف الفن المتعايش مع أرض الواقع‏

كيف يصنف د. شاهين هذه الظواهر؟:‏

- طلال علمدار هاوي يرسم بورتريهات وهو من رسامي الشوارع المتواجدين في الشارع و يرسمون للشارع, بعض الفنانين يشعرون بضرورة التعايش مع الواقع والشعور به فينزلون إلى الشارع ليرسموا, منهم ناظم الجعفري مثلا كان ينفذ معظم أعماله في أرض الواقع لوجود مؤثرات تلهم الفنان وترفد الإحساس وتغنيه مثل صوت الباعة صوت موسيقا من إحدى النوافذ أو إحدى المحلات , هذه كلها مؤثرات سمعية تتجسد على اللوحة لذلك يختلف الرسم بالاستوديو وسط الأضواء عن الرسم على أرض الواقع حيث عراك الحياة و الطبيعة هنا تخرج اللوحة بحس أغنى .‏

- فواز بكدش اشتغل مع مجموعة من الفنانين في أوروبا وهؤلاء مظهر سياحي محبب ,‏

- علي عثمان رسم للشارع ولديه مرسم يرسم لوحات ثابتة بعضها على جبل قاسيون الآن ,‏

موضوعاته ثابته تعلن عن أفكار وتكرم شخصيات اعتبارية رسم لها ورسم للثورة وهذا تنفيذ لأشياء طلبت منه , ياسر حمود عمل البانوراما , نعيم اسماعيل أيضا عمل لوحات معدة للشارع عمل مجموعة مهمة بالفسيفساء مثّل واجهة نقابة العمال وله لوحة في المزرعة , وهذا فن عظيم قائم بذاته وهذا الفن مزدهر جدا في الدول الاشتراكية موجود على واجهات الأبنية وفي الحدائق، وأحيانا يقام حامل خاص لها منها ما يمجد الثورة ومنها ما يمجد قضية اجتماعية معينة ومنها إعلامية ومنها تحريضية ومنها جمالية بحتة فقط لتزيين المكان ومنها إرشادية وهذه تدل على معالم المدينة .‏

-عبد الناصر الشعال فهو رسام مهم رصد على الواقع أشخاصاً ارتبطوا بالشارع ومعروفة مثل بائع جرائده بائع العرق سوس، رسم الطبيعة ودمشق القديمة بشكل جيد .‏

وعن مراسم الصالحية يقول د. شاهين : تأهيل الصالحية أعطى لنقابة الفنون بعض المحال أو الأكشاك عرضوا فيها لوحات للبيع وبعضها استأجرتها النقابة لفنانين ولكن بعد أن لاحظوا ضيق الشارع تم الغاؤها .‏

فن الستومب‏

انتاجي 15 بورتريهاً في اليوم‏

د.فواز بكدش رئيس قسم النحت في كلية الفنون وهو مارس مهنة رسامي الشوارع .‏

يقول رسم البورتريه مباشرة أو « فن الستومب» كما يسمى ينفذ بالفحم أو بالباستيل , مارسته في فرنسا بأيام العطل فقط منذ 40 عاما , كنت ارسم مباشرة و بنفس السياق , خلال خمس دقائق تنتهي اللوحة , ولكن بشكل كاريكاتوري محمل بالفكاهة , وهو غير مروج لدينا بينما موجود في كل البلدان , وكان كبار الفنانين يمتهنونه منهم بيكاسو، ومنهم فنانون سوريون كثر مثل مصطفى النشار , مصطفى فتحي, وابراهيم جلل حتى الآن لا يزال يرسم البورتريه الفوري في باريس, رسمت وجوها من كل جنسيات العالم حتى الهنود الحمر كان انتاجي في اليوم حوالي 15 بورتريه , رسمت د.محمد غنوم أثناء تواجده في باريس , أما اسلوبي : كنت آخذ الرسم وأضعه بموقف يحبه الشخص مثل الرياضي أو الموسيقي أو غيره , الألمان يحبون هذا الاسلوب بشكل مميز عن الشعوب الأخرى , بينما الشرقيون يرفضون الفكرة , لم أرسم الموديل بشكل كلاسيكي إلا قليلا , كانوا يأتون كروبات ليقفوا أمامنا , هذه تعتبر مهنة ولها طابع سياحي , المهم فيها أن أعطي خصائص الشخصية , وهذه الظاهرة تنتشر في «مهرجان كان» أيضا حيث يذهب الرسامون خصيصا لرسم الممثلين وكانت أجورهم عالية .‏

مهنة المغامرة وتحتاج لجرأة ومقدرة‏

أضاف د. بكدش : في الصالحية رأيت هذه الظاهرة رغم انه كان فيها شيء من الحياء لكني رأيتها ظاهرة حضارية جميلة وهي شيء من البرنامج السياحي ويجب أن يكون للفنانين مكان يتواجدون فيه كنوع من السوق السياحي أو الصناعة السياحية , في الحقيقة هذه المهنة مغامرة وهي تحتاج لجرأة ومقدرة وحرفية ليست موجودة عند كثيرين وخاصة انها مشروطة بإعجاب الزبون لأنها قابلة لرفضه أوقبوله,‏

لم أرفض رسم أي من الأشخاص لأن العملية لها علاقة بالعمل ولا يدخل فيها المزاج .‏

هذه الظاهرة تأتي طبيعية عندما يتجرأ بعض الفنانين ويجدون المردود فتمارس ويعتاد عليها الناس , مثلا الناس عندما تذهب إلى النوفرة وتسمع الحكواتي عندما تجد رساما فيها تتقبل الموضوع وتصبح الأجواء متكاملة .‏

أنا لم أمارس هذه المهنة بالبلد ربما لانشغالي بحياتي العملية والخاصة , وأيضا كل شيء له أجواؤه ويتبع البيئة والسوق السياحية وهي في النهاية لوحات فنية , تعامل معها كبار الفنانين مثل هنري روسو الذي يرسم المدرسة البدائية السطرية كان ديمون ماركر يرسم ويبيع لوحاته واشترى منه بيكاسو في القرن 18 .‏

ومن وجهة نظر د. بكدش أن علي عثمان أعماله حرفية مهنية أكثر , بينما طلال علمدار اعتبره رجلاً شجاعاً , لأن المباشر فيه جانب فني أكثر والبورتريه يعتبر فن مستقل , النقل يدل على حرفية وبراعة , ولكن الرسم عن موديل يختلف, أيضا الكاريكاتير فن مستقل ويعبر عن خصائص الشخصية وسماتها وميولها, ويعني أن نضع شخصا أمامنا ونرسمه بإطار فني وجمالي , هذا أيضا يعكس تمكن الفنان , وهذه دراسة وجزء من منهاج الكلية .‏

فن الستومب ظاهرة حضارية وهي جزء من الصناعة السياحية , في فرنسا يشجعون كل الجنسيات ويضعون لهذه المهنة نظاما معينا لتكون تحت الإشراف لإظهارها بصورة جيدة .‏

رسمت وجوه الشخصيات الاعتبارية‏

علي عثمان : مواليد بانياس 1957 في عام 1985 تخرجت من مركز أدهم اسماعيل , أنا خطاط ورسام ونحات , أحبطت منذ الصغر عندما حاولت لجنة من التربية والتلفزيون تكريمي على مستوى مدارس دمشق لكن والدي لم يقبلها «لأنه يفضل العلم على التسلية» , حيث كان يرى الرسم تسلية كأي شخص من جيله وكانت هذه الحادثة سببا في عدم متابعتي للدراسة والتحاقي بالجيش، هناك لم ابتعد عن الرسم فرسمت وجوه الشخصيات الرسمية في بلدنا , رسمت الموتيفات والكاريكاتير في الصحف والمجلات المحلية , كنت أرسم بسرعة كبيرة وبواقعية فاعتمدوني رساما في الجيش والتربية وما زلت حتى الآن بعد التقاعد , أقمت في أحد مراسم الصالحية , التي بنتها المحافظة بمرسوم جمهوري للرسامين ولكن التجار رفضوا وجودنا وتنفيذا لرغبتهم قرر المحافظ بين يوم وليلة هدم جميع المراسم تماما وأذكر أنه عوقب آنذاك , بقيت في مرسم الصالحية حوالي 5 سنوات كان الطلاب يستعينون بي ومنهم نبال بكفلوني ، كنت أرسم أغلفة كتب منها للاستاذ هاني الخير ومظفر النواب وغيرهم , زميلي فاتح السواس بقي بعدي على الرصيف لكنهم ضيقوا عليه حتى تركه .‏

في ذلك الحين كنت أسكن في كفرسوسة بالقرب من مدرسة «أنس» فأقمت مرسمي في مسرحها إلى أن طالبتني إدارتها بالرحيل , وأنا حالياً أقيم بأحد مستودعات قدسيا المهجورة ليكون مرسما لي وما زلت فيه حتى الآن, هذبت المستودع ورممته وعملت فيه عدة معارض وكان الجمهور يأتي إلى هنا , ويتجمع أبناء المنطقة ليتعلموا مني الرسم والخط والرؤية الفنية .‏

حاليا أرسم بعض اللوحات لكتيبة النقل في معربا وأرسم للمدارس وللحرس , معارضي ومشاركاتي محلية في المراكز الثقافية في دمشق آخرها كان عام 2011 بعنوان تحية للقائد الخالد بوجود 35 عملاً, أقتنى المركز لوحتين وبعت أكثر من عشر لوحات منهم للكاتبة كوليت خوري ولمدير المركز .‏

وقّعوا على أعمالي !‏

انفردت بالرسم الواقعي على المخمل الذي استخدمه بدل القماش المشدود وأرسم من الطبيعة مباشرة , بالنسبة للتقليد هو مجرد استئناس كحركة لون , أرسم بالزيتي والرولييف, لدي عدد من التماثيل كنموذج تدريسي لطلابي, في موضوع البورتريه أصنع لوحة فنية تجارية ولكن حسب الطلب , أتأثر بالحالة النفسية أثناء الرسم ويدخل فيها المزاج, كان الشباب والصبايا هم أكثر زبائني , وكنت أرسم تواصي رسمت فيروز و هالة شوكت , رسمت الملك حسين مع زوجته طلبها أحد أقاربه بعد أن رأى عملي على المخمل, رسمت لوحات جدارية لوزارة التربية والمالية , لكن وقع على اللوحتين اسم فنانة معروفة .‏

تفاءلت بالشائعات‏

الفنان محمد عبد الكريم طريفي : لديه محل للرسم في أحد أزقة دمشق القديمة منذ 8 سنوات , هو من مواليد 1970 خريج فنون جميلة لعام 1999 قسم التصوير معارضه الفردية 4 , والمشتركة كثيرة منها معارض الإدارة السياسية وفي مهرجان اللاذقية , تحدث عما سمعه من أحاديث سابقة حول إقامة مكان للفنانين في ساحة المعرض القديمة وقال : سررت بهذه الأقاويل وتخيلت سوقا للفن كالحارة التي تمتد من باب توما حتى فرن الحميدية ويتواجد فيها مجموعة فنانين كبار معظمهم نحت ومنهم مصطفى علي وربيعة ابراهيم .‏

أنا ارسم الوجوه وغالبا الناس لا تحبذ الجلوس أمامي لحين انتهاء اللوحة, ويوجد فرق بين الرسم بهدوء أو بسرعة رسمت فتاة غسان على غلاف كتاب حسب طلب مريم خير بيك, أرسم تواصي غالبا مناظر من دمشق القديمة , بعض الجهات يحددون لي اسلوب الرسم , سواء انطباعي أو تجريدي أو غيره وحتى الفكرة أيضا يملوها عليّ حسب المكان الذي ستستخدم فيه اللوحة مثل فندق أو مطعم أو غيره , أنا لا أفضل التقليد بل الابتكار والتجديد , أضع في عملي انطباعاتي و بصمات من حالتي النفسية التي تنتابني عند الرسم دون ان اشعر .‏

لا نفضل النقل عن الصورة‏

الرسامة شام خريجة معهد فنون تطبيقية : تعمل مع الفنان محمد طريفي هي وزميلة لها في تنفيذ الرسومات تقول : يطلب منا أحيانا رسم الحارات القديمة و نسخ من لوحات عالمية نرسم حسب الطلب ولكن لانلبي على الفور لأن الألوان التي نستخدمها تحتاج لوقت كي تنشف يطلب منا رسم فوري إذا كان بالفحم أو بالقلم الرصاص ننفذها للزبون فورا وهو يجلس أمامنا ونحن لا نفضل النقل من الصورة , زبائننا من جميع الفئات ومنهم طلاب فنون تطبيقية يطلبون المساعدة والتدريب أحيانا ، أما اللوحات فمن يرغبها يكون للإهداء يحملها , أحب مهنتي وجمالها في النتائج المرضية نفسيا وماديا ومعنويا , ولا أفضل النسخ لأن اللوحة لها قيمة أكبر تصنع مرة واحدة وهذا مختلف , زبائننا الكثير من الفنانين آخرهم الفنانة ديما قندلفت حضرت واقتنت عملا من انتاج المحل .‏

في البدايات استقريت في النوفرة‏

محمود شاهين رسام : درس صحافة في معهد في مصر , كاتب وروائي وصحفي , الرسم هواية لم يدرسه ,ومتفرغ له منذ 18 سنة , أسس محلين للرسم أحدهما في القيمرية والثاني في مكتب عنبر , يقول : أنا رسام انطباعي رسمت التراث الفلسطيني والفن الكنعاني والروماني معارضي في برلين وباريس وفي فلسطين و أقيمت لي معارض في دول كثيرة باشراف اصدقائي , في البدايات استقريت في النوفرة أصبحت ألبي دعوات وكنت أبيع أفضل من الخارج لوحاتي ومعارضي كانت لفترة طويلة على جدران النوفرة , ألواني زيتي أعمل بالرسم والحفر والزخرفة أضع اساليب مختلفة باللوحة , آلية عملي لا تحتمل التواصي أو الطلب عدا الخط الفني الذي يحبه الأجانب حيث أنفذ اسم الشخص باللغة العربية بشكل فني.‏

ربما بعد آراء المختصين في هذا التحقيق تبينت تفاصيل دقيقة في ظاهرة رسامي الشوارع وحيثياتها وما تكشف عنها, لم يكن يلم بها البعض, حتى ممن هم في محترف الفن التشكيلي نفسه .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية