تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تشكيل.. في وداع الفنان رضا حسحس..تنويعـات التجربــة واللــون الصاخـب بالحركـة

ثقافة
الأربعاء10-8-2016
أديب مخزوم

خسرت الأوساط الفنية والثقافية الفنان رضا حسحس، الذي غيبه الموت منذ أيام، بعد رحلة طويلة مع الفن التشكيلي الحديث والمعاصر، ولقد أبرز خلال أكثر من نصف قرن، هواجس التمرد،

حتى على ذاته، حيث كان يتنقل من أسلوب إلى آخر، كإشارة انفلات وانعتاق، ومجاهرة بحريته التعبيرية، بعيداً عن التأطير الأسلوبي المحدد بنقاط ارتكاز أساسية وثابتة. وبذلك قدم الدليل على أنه ضد الأسلوبية في الفن، وضد نظامها الرتيب والبارد.‏

ولم يكن يريد أن يحصر نفسه في إطار أسلوبي محدد، إلى درجة تجيير التجربة، الفكرة إلى انطلاقة جديدة، فعندما وصل إلى أقصى حدود التجريد، في لوحاته التي قدمها في بداية السبعينات، ما لبث أن تناسى نقطة الوصول، وعاد من جديد إلى أقصى حدود التجسيد، حين قدم لوحات واقعية، تضاهي في حيويتها الصورة الضوئية الفوتوغرافية، وبعد ذلك برزت تحولات جديدة في مسار تجاربه المتواصلة، وأصبح يبحث عن الإشارات التعبيرية والتكثيف الشكلي الذي ظهر في لوحاته كأبجدية من التشكيل الشاعري والغنائي.‏

بين التجريد والتبسيط‏

من هنا كان يبدو في أعماله هذه متعاطفاً مع الفنون الباريسية الحديثة في حبه للألوان الحية والمتفجرة والعنيفة والصاخبة بالحركة، التي نراها في لوحات الطبيعة بشكل خاص، لكنه في تجربته ظل على صلة باللون المحلي، الذي يبرز بشكل مباشر عبر اللمسات اللونية الحية (الحمراء والصفراء والبيضاء) فاللمسات اللونية العنيفة التي ميزت أعمدة الحداثة الفرنسية من جيل الوحشيين (ماتيس ودوفي وفلامنك وغيرهم) إلى جيل التجريديين تتحول إلى أجواء اللون الشرقي، حين يمنحها إيقاعية لونية متوهجة قادمة من أجواء اللون الحار السائد في الشرق.‏

وحين عرض رضا حسحس (من مواليد 1939) لوحاته في المركز الثقافي الفرنسي خلال العام 1992 أصبح همه موجهاً نحو لغة تشكيلية جديدة، تقتنص إشارات المنظر الخلوي، لإبراز حركة دائمة ما بين التجريد والتبسيط. فمن خلال لمسات الفرشاة العريضة استعاد الطبيعة بأرضها وسمائها وعناصرها، وبذلك اختصر صورة الحداثة والفن المعاصر، فالرسم طليق، والألوان لا تركن إلى شكل نهائي، يحركها الانفعال الداخلي الذي يعيشه أثناء إنجاز اللوحة، فالتأليف قائم على الرسم المنساب طلاقة وحرية وفيه مزيج من العنف والحرية في التعبير واللغة اللونية تحمل الأثر المباشر لتجربة الفن الحديث.‏

أضواء مشرقة‏

هكذا يظهر الإيقاع التلويني غنياً بالأضواء المشرقة، التي كان يعبر من خلالها بحساسيته الجمالية الحية، عن المناخ اللوني المحلي، الذي يحث الألوان آخر الأمر على التنفس، ويجعلها تحمل إيقاعاً ونبضاً مكانياً عبر فيض الإضاءة،الذي ينعكس على المشاهد راحة ومتعة. فقد كان يبتعد عن المشهد الطبيعي في اتجاه العمق... معارضاً كل ما هو ثابت، باحثاً عن نظرة متبدلة للعالم الطبيعي، يفهم فيها المكان على أنه بسيل التكوين، لتصعيد النبرة الجمالية المحلية، مبدعاً إيقاعات لونية متتالية، تكشف العمق المكاني وتقربه من المشاهد إلى أقصى حد، فالأشكال المشهدية المنظورة تتحول إلى أشكال أولية، يحركها هاجس البحث الدائم عن الحداثة الحقيقية، يسيطر الهم التجريدي ثم يتراجع أمام دلالات الأشكال المستمدة من الواقع، ليدور الكل في عمومية لونية، تكسر رتابة الحركة الطبيعية المرئية، وتحمل نبضاً يتسم بسرعة الإيقاع والحركة والأداء.‏

وعلى الضد من ذلك كان يقترب في صياغة لوحات الأزهار، من أجواء اللمسة اللونية الهادئة والشفافة، التي تجسد ملامح تحوله من مظاهر الفن الأوروبي (لما بعد الوحشية) إلى الفن الشرق آقصوي (الفن الصيني والياباني) بحيث تنحاز الرؤية هنا أكثر فأكثر نحو إشراقة الداخل، أو نحو النسيج البصري المرهف والشفاف.‏

facebook.com/adib.makhzoum‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية