تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


استدارة غير أخلاقية

معاً على الطريق
الأربعاء10-8-2016
أنيسة عبود

ها قد بدأ العد العكسي لأوباما كي يغادر البيت الأبيض.. وهذا ليس بالأمر السهل على الرجل ولا على زوجته التي قد تستدير كما استدارت السيدة كلينتون المدججة بالنفاق والكذب..

وترشح نفسها ذات يوم لرئاسة أميركا.. فالمكوث في البيت الأبيض أمام موقد الحطب المحجّر والكاميرات تلف وتدور وتلتقط الصور للمكان والزمان واللهب المتصاعد، يصبح عادةً وإدماناً، خاصة أن رؤساء أميركا -وطيلة وجودهم في البيت الأبيض- يخلطون نبيذهم بدم الشعوب المقهورة، ويستضيئون باحتراق أجساد الأطفال وشيهم على مناقل حطب المجرمين.. وإلا لماذا سلقوا أطفال اللاذقية وسمّموا أطفال حلب ولماذا طهوا الأطفال الأزيديين في العراق وقدموا لحمهم لأمهاتهم بعد أن أرسلوا حصة لأوباما وبناته ولأردوغان وزوجته؟..‏

لكن.. وبما أن الوقت يداهم أوباما.. فهو يكثر – كسابقيه - من الثرثرة ومن التصريحات المتناقضة.. مرة على لسانه ومرة على لسان وزير خارجيته الذي يغيّر صبغة شعره مع تغيير مواقفه أو مع إطلاق موجة من الكذب المفضوح وكأن الشعوب لا تعي أن أميركا تكذب.. وأوروبا تكذب.. وهما وجهان لعملة زائفة واحدة.‏

وبما أن الأيام تركض ولم يبقَ إلا القليل حتى ينتقل أوباما من القصر الأسود إلى شقة مبنية وملونة بأشلاء الشعب السوري ودمه، سيصاب الرئيس بالاكتئاب ولن يجد من يحادثه ويستمع إلى أوامره.. فيستعين بطبيب نفسي يخرجه من حزنه وصمته. إذ لن تلاحقه الكاميرات ولا تتحدث عن فساتين زوجته سيدات العالم ولن يفرش له السجاد الأحمر، وهو مُهيّأ لمرض الزهايمر.. لذلك سيسارع الأطباء إلى نصحه بأن يكتب مذكراته وأن يوقظ ضميره ولو لمرة واحدة كما فعل – كولن باول – وزير خارجية بوش الذي اعترف بأنه كذب وهو آسف لذلك بينما ادّعى بوش بأن الوحي نزل عليه وقال له احتل العراق واقتل شعبه .؟؟‏

وهكذا الحبل على الجرّار.. والقائمة لا تنتهي عند طوني بلير رئيس وزراء بريطانيا الذي بكى ونَدم على غزو العراق أمام الكاميرات، يعني الرجل استيقظ ضميره بعد فوات الأوان، وهذا الضمير الغربي لماذا لا يستيقظ إلا بعد انتهاء الحكم ومن خلال مذكرات يبيعها للشعوب كي تدرك مدى العَمى الذي يصيبها .؟‏

وإذا كان وزير خارجية بريطانيا بكى وبوش ادّعى النبوَّة وكولن باول اعترف بالكذب.. برأيكم بماذا سيعترف أوباما ؟ هل سيعود إلى جذوره الإسلامية؟.. أم سيبكي على ليبيا وسورية؟ أم أنه سيذهب ويشنق نفسه لأن ضميره استيقظ وشعر بالندم فيكون الاعتراف نهاية رحلة الغش والاحتيال؟‏

لكن ماذا تفيد اعترافات القَتَلَة ؟ هل تعيد أطفالنا من قبورهم وشبابنا إلى بيوتهم؟ ورجالنا إلى أطفالهم وأشجارنا إلى حدائقها وحياتنا إلى صخبها ؟‏

هل نسترجع باستدارتهم اللا أخلاقية خمس سنوات من أعمارنا وهل نستعيد ضحكتنا وشوارعنا ودموع أمهاتنا ومعملنا ومصانعنا ؟‏

أسئلة موجعة تمرُّ بالبال بينما ننتظر ماذا سيجود علينا أوباما بيقظة ضميره الذي لا بد أن يستيقظ على عادة زعماء الغرب الكذّابين.‏

قد تكون الشعوب ضعيفة ومغلوب على أمرها، ولكن هذا لا يعني أنها لا تعي ما يدور حولها.. أو لا تعرف عدوَّها من صديقها.. مع أني أشك في أن الشعب العربي يعرف أو يدرك ما يدور وما يجري.. وإلا لتساءل لماذا يحق للطفل الأميركي النور والعلم والمعرفة والرفاهية ولا يحق للطفل الفلسطيني أو السوري سوى الذبح والجوع والخيام ؟..‏

وهنا لا بد من العودة إلى ما كتبه كافكا ذات يوم عن العرب والعربان، وكيف صنّفهم وشرح أشكالهم ولباسهم ورائحتهم.. كنت أتألم لوصف كافكا - اليهودي الألماني - الذي ترجمنا أعماله وقرأناها بشغف.. لكني اليوم أرى أن الحق مع كافكا.. وقد رأى مالم نراه إلا بعد مرور عقود طويلة.. أقصد إننا شعب لا يتقن قراءة التاريخ ولا يفهم الدرس مهما عاده أو استعاده، لذلك لن يستدير هذا الشعب استدارة كاملة نحو مصالحه وكرامته وسيادته.‏

لقد أتقنا التبعية والاستشهاد بالغربي ولو كان كاذباً ومنافقاً، بل نحن نصدق كل شيء يصدر عن الغرب، ومن يحاور السوريين الذين هاجروا إلى الغرب منذ شهور فقط –هي شهور – لا أكثر يعرف ما أقصد.. لأنهم صاروا أوروبيين أكثر من الأوروبي.. يعرفون لغته وتاريخه ويحرصون على الانصياع لقانونه ليرضى عنهم المجرم ويكونوا فاعلين ومخلصين له أكثر من إخلاصهم لوطنهم الذي دمَّره الغرب باعترافه وباستداراته المقصودة في اللحظات الميتة من حكمه بعد أن دمَّر شعوباً وبلداناً، وبعد أن ضاعت الهوية إذ رمينا بعضها في العاصي وبعضها الآخر في الفرات وهرعنا نحو بحر إيجه..‏

سيعترف أوباما وسيستدير.. وقد يكون عدم الاستدارة أفضل حتى لا نكتشف ضعفنا وفجور الآخرين...‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية