حافظ الشيرازي
ملحق ثقافي الثلاثاء 20/2/2007 عقبة زيدان ظهر نبوغ شمس الدين باكراً، واختصر كثيراً من مراحل التعليم في الحوزات الدينية. تعلم العلوم العقلية والنقلية، معتمداً على ذاكرة لا مثيل لها؛ وقد وصل بذلك إلى قوة الاستنباط والاجتهاد، وخصوصاً في الشعر والنثر.
ولد شمس الدين محمد الشيرازي في شيراز عام 725 هجرية/ 1325 للميلاد. أطلق عليه اسم (حافظ) لأنه حفظ القرآن والسنة. عمل خبازاً، ثم مدرساً، واتصل بحكام شيراز، بعد أن ذاع صيته في كل الأنحاء، ولقب "لسان الغيب وترجمان الأسرار"، لأنه تخطى بشعره ما وصل إليه الصوفيون من قيم شعورية وتصويرية عالية، وانفلاته من أسر الكلمات المحترقة إلى عالم الغزل العلوي، محلقاً فيه بحرية كاملة. أوجد حافظ شعراً غزلياً ممزوجاً بالتفكير الفلسفي، أطلق عليه الغزل الفلسفي، وليس هذا فحسب، بل جاءت أشعاره جديدة في الصور والمعاني. لقد وصف الطبيعة بشكل ساحر وتحدث عن الحب برقة طاغية، وقال في الخمر كما لم يتحدث أبو نواس، وهاجم في شعره المرائين من الصوفية المتاجرين بالمظاهر فقط. كثر الرياء والنفاق في عصره، بسبب الانقلابات السياسية الدموية والنكبات المتتالية، وذلك بعد حملات تيمورلنك واستيلائه على إقليم فارس، وتقلب الأوضاع وكثرة سفك الدماء. وقد ندد بالاستبداد، وطمح إلى الحرية والنقاء، وطفح بحب الإنسانية كلها، ووجه الأنظار إلى الفقراء والدراويش. وبقوة كبيرة، أنكر على الشعراء انسياقهم في مظاهر الترف بلا طائل، وإهمالهم لحال المحتاجين والفقراء. هاجم أصحاب القصور والأغنياء، الذين عميت بصيرتهم عن الغنى الروحي. تخطى شعره المقامات والأحوال الصوفية إلى عالم علوي رحب لا يحده زمان ولا مكان. ودافع أيضاً عن الإنسان المستضعف في الأرض، وأحله مكان الصدارة، وهو يعطي الإنسان الكوني أعظم قيمة جمالية، بغض النظر عن جنسه أو دينه أو مذهبه أو لونه. يعد شمس الدين أعظم شعراء فارس حتى اليوم، ولم تتوقف شهرته عند الإيرانيين، بل لقد تأثر به شعراء ومثقفو القارة الهندية وآسيا الصغرى، ووصلت شهرته إلى الغرب الأوروبي، وخاصة ألمانيا، فترجم إلى الألمانية، لدرجة أن غوته قد أعجب به أشد الإعجاب، فقال عنه في ديوانه الشرقي الغربي: "إن المشتغل بحافظ، لا يستطيع أن يفرغ منه، وإن القارئ لشعره لا يستطيع أن يتحول عنه"، وخاطبه بقصيدة، قال فيها: وأنت يا حافظ لا تؤذن بانتهاء، وهذه عظمتك ولا عهد لك بابتداء، وهذه قيمتك وشعرك كالفلك يدور على نفسه، بدايته ونهايته سيان إنك نبع الشعر الذي يصل بالأماني إلى الأوج فإذا هي فيض في أثر فيض، وموج في أثر موج توفي شمس الدين الشيرازي سنة 790 هجرية/ 1389 للميلاد، تاركاً إرثاً من الشعر الكوني الساحر.
|