علــي الناصـــر . . . الأعمــال الكــاملـــة
ملحق ثقافي الثلاثاء 20/2/2007 عقبة زيدان يدفع المجددون ثمناً باهظاً لخروجهم على المألوف، ويعاملون وكأنهم يخربون البنى السائدة، التي يظن الآخرون بأنها نهائية ولا يمكن إضافة شيء إليها. ولأن الإرث عزيز على أصحابه، فإن تحول الجديد إلى إرث يحتاج إلى زمن، حيث يمكن خلاله أن تتطور الرؤى والأفكار، وتصبح أكثر فاعلية وحركية.
تم تجاهل الشاعر السوري علي الناصر، رغم ريادته الشعرية في بدايات القرن العشرين. وانتصر أنصار الشعر التقليدي، الذين كانت أبصارهم معلقة بالشعر العربي القديم. ومضى زمن أغفل فيه اسم علي الناصر من بين الشعراء السوريين الرواد، أمثال محمود البزم وشفيق جبري وخليل مردم بك. أصدر علي الناصر مجموعته الشعرية الأولى (قصة قلب) عام 1928، والثانية (الظمأ) عام 1931، والثالثة (سريال) عام 1947. تشكل قصيدة (قصة قلب) بدء الحداثة في الشعر السوري، ولكن ورغم هذه الريادة - كما يقول د. رضوان القضماني - فإن النقاد أغفلوا هذا التجديد، ولم يرد ذكر لعلي الناصر في كتاب د. كمال خير بك (حركة التجديد في الشعر العربي المعاصر)، وإن ورد في كتاب د. أحمد بسام السباعي، فإنه لا يشار إليه إلا كمرتد إلى الشعر الخليلي في الستينيات. أما الدكتور علي الدقاق، فقد أشار في كتابه (فنون الأدب المعاصر في سورية) إلى ريادة علي الناصر قائلاً: "لقد كان في طليعة رواد التجديد الأدبي في سورية، إذ وجد في الوزن والقافية قيوداً للقريحة. وما الشعر لديه إلا تفجرات عفوية تصدر عن الذهن والنفس في حال من الوعي أو اللاوعي متى قدر لها الظهور". ويجد سامي الكبالي في علي الناصر أحد الطليعيين في الشعر السوري الحديث، الداعين إلى تحرير الشعر من قيود الوزن والقافية. ويقول علي الناضر: "إني أؤمن بأن الشاعر الحقيقي يخلق فنه بوحي من روحه، وإن نسب الباحثون إبداعه إلى المدارس والمناهج الفنية، فالفن المسخر بتعميم سابق فن زائف لا أصالة له". كتب علي الناصر قصيدة التفعيلة في ديوانه (الظمأ) 1931، وبذلك فقد سبق معاصريه: لويس عوض، ونازك الملائكة، بما يقارب السبعة عشر عاماً. في كتابه (الرومانتيكية في الشعر العربي المعاصر) يرى جلال فاروق الشريف بأن الرائد الأول للرومانتيكية في الشعر العربي المعاصر في سورية هو وصفي القرنفلي، رغم أن علي الناصر قد نشر قصائده المتحررة من قيود بحور الخليل قبل أكثر من عقد من نشر أول قصيدة للقرنفلي. ويجد د. رضوان القضماني أن إرهاصات الرومانسية بدأت في شعر علي الناصر مع ظهور ديوانه الأول المنشور عام 1928 (قصة قلب)، الذي تجلت فيه مقومات الرومانسية، بالعودة إلى الطبيعة والحنين الطافح والكآبة والألم، واتخاذ الرموز الصوفية وسيلة للتعبير، ومن ثم الثورة على الشكل والاهتمام بالمضمون، وتحطيم القالب اللغوي الصلب. تبدأ الأعمال الكاملة المنشورة بديوان (قصة قلب)، وقد وضعت لها مقدمة بقلم سامي الكيالي من كتابه (الأدب العربي المعاصر في سورية)، حيث يقول: "وفي هذه المجموعة الشعرية التي تقدم بها صديقنا الطبيب علي الناصر الذي أراد أن يهجر تلك الطريقة القديمة في وصف الطلول والخربات الصم، بينما لا طلول ولا خربات صم، بل عيش في ظلال المدينة الوارف". وهو اعتراف بهذا الخروج عن نمط القصيدة التقليدي، واعتراف بالريادة. أما الديوان الثاني (الظمأ) فقد انحصرت قيمته - كما يقول أمين الريحاني - فيما يصح أن يدعى شعر الاقتضاب، وهو الشعر الجديد نظماً وتقطيعاً ولهجة. ضمت الأعمال الكاملة الدواوين التالية: قصة قلب، الظمأ، البلدة المسحورة، موانا، سريال، دنّ الدموع، اثنان في واحد. وبهذا فقد أعلنت الأعمال الكاملة أحقية الشاعر في الريادة الشعرية الحديثة، والتي حرم منها في حياته. الكتاب: علي الناصر/ الأعمال الكاملة تحرير وتقديم: د. رضوان القضماني الناشر: وزارة الثقافة بدمشق 2006
|