تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مشاكسات.. التأمل الدرامي .. وللصبر حدود

فنون
الاثنين 6-7-2015
فؤاد مسعد

لقطة عامة ثم يلجأ المخرج إلى الزووم ، والتركيز هنا على وجه الممثل ، محاولاً التقاط تفاصيله وتعابيره ونقاط العرق المتصببة منه ، ولحظات حيرة تظهر في عينه تكاد تقول للكاميرا (وماذا بعد ؟..) فينقذه المخرج ويجول بكاميرته في أرجاء المكان والموسيقا التصويرية

هي الصوت الوحيد المسموع حتى ينهي المشهد بالاقتراب من طفله النائم في سريره بهدوء ، وفي مشهد آخر ، الممثلة في حالة تأمل فهي عاشقة جالسة على الكرسي الخشبي ، تقترب منها الكاميرا بحذر فتهم بالوقوف ومن ثم تقف فعلاً وتتجه ببطء شديد إلى النافذة وعلامات العشق (تشرشر شرشرة) من تعابير وجهها ، تصل إلى النافذة وتفتحها تقترب منها الكاميرا ، تعد الممثلة في داخلها حتى رقم العشرين وهي تتأمل السماء والنجوم ، ثم تقفل النافذة وتعود إلى كرسيها لتجلس عليه ، صوت المخرج يملأ المكان (كات .. انتهى المشهد) فقد انهى صديقنا مشهده بسلام وهو يستعد للانتقال إلى المشهد الذي يليه .‏

هي ليست رواية فانتازية وليست حكاية من نسج الخيال ، وإنما هي من نسج حكايات العمليات القسرية للتطويل والشد والمط والنفخ و (السيليكون) للأعمال الدرامية حتى تصبح ثلاثين حلقة ، وربما أكثر ، والنتيجة أن المشاهد يُعاقب بالجلوس أمام الشاشة منتظراً الحدث والفعل الدرامي ليجد أن الحلقة كاملة ليست إلا عبارة عن وصول الممثل بسيارته الفارهة إلى مسافة من باب حديقة الفيلا ليقف وينتظر البواب فيأتي ويفتح له الباب ، ينزل منها ويتجه سيراً إلى البوابة وعندما يصل يسلم على كل من يقف هناك ويكمل سيره إلى الداخل ، وما إن تقول كمشاهد الحمد الله ان المشهد قد انتهى وسنرى ما سيفعله الممثل بالداخل حتى تُفاجأ أن ممثلاً آخر قد وصل للتو إلى الفيلا بسيارته أيضاً وعليه أن يعيد السيناريو نفسه حتى يصل إلى الداخل ، وذلك كله من باب أنه ليس هناك أحد أحسن من أحد وعلى الجميع أن يتم تصويره بهذه الطريقة وبذلك يمر زمن يساوي نصف الحلقة وكل ما حصل فيها (استقبل وودع ونزل من السيارة ودخل إلى الفيلا وابتسم لفلان وصافح علتان ، عدا عن تجول الكاميرا في المحيط لتكشف عن فخامة المكان) .‏

وبعد التدقيق والتمحيص في أصل هذه الظاهرة وكي لا نظلم المخرج والمنتج وندّعي أن هدفهم كان تطويل المسلسل ، شككنا أنه قد يكون ذلك كله يندرج ضمن إطار مدرسة (التأمل الدرامي) التي اخترعها من فرض المسلسلات طويلة الحلقات على المشاهد ، ولكن الخشية كل الخشية أن تظهر مدرسة مضادة لها شعارها .. للصبر حدود .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية