تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


منابرنا الثقافيـة.. كيف نفعلّها ونطوّر أداءها .. ؟!..مفهوم الثقافـة لدينا أسـاسه التسـامح والتآخـي والمحبة..

ثقافـة
الاثنين 25-2-2013م
 عمار النعمة

على الرغم من الصعاب لا أزال متفائلاً بأنه هناك ثمة من عينه على الثقافة التي هي أسمى ما في حياتنا, فمنابرنا الثقافية لاتزال تقوم بنشاطاتها وفعالياتها إيماناً منها بدور الثقافة في المجتمعات,

ولكن في المقابل لا نستطيع أن نتحدث عن الثقافة والمنابر الثقافية بمعزل عن المثقفين الذين انقسموا إلى قسمين الأول: مثقف يقف على الأطلال لايسمع ولايرى, الثاني: مثقف ساهر على المجتمع ينتصر للحقيقة ويناضل من أجلها, أكد بمواقفه وأفعاله أن المثقف هو (ضمير العالم)... ولذلك إن كان أو لم يكن هناك إشكال ثقافي أو خلل ما, فيجب أن يناقشه العقلاء والمثقفون الحقيقيون بعيداً عن هواة الإثارة... ومن هنا أحوج مانحتاج إليه في المرحلة المقبلة تأسيساً منهجياً لإشاعة أجواء الحوار بوصفه الحل الناجع والطريق الصحيح للخلاص, وفتح باب المشاركة الواسعة لتعزيز الثقافة الوطنية, وإقرار مبدأ التنوع الخلاق, فالرؤية المتعددة تتيح قراءة المشهد بواقعية أكبر وبالتالي الوصول إلى الحل الذي يطمح إليه السوريون.‏

حسين جمعة: (الوطن أغلى من أي شيء)‏

د.حسين جمعة رئيس اتحاد الكتاب العرب قال: لابد للإنسان أن يعود إلى مفهوم الثقافة, فالثقافة كما أراها هي مجموعة الأنساق الفكرية والاجتماعية والأدبية والفنية التي تدخل ذهن الإنسان وتتحول إلى سلوك وتصرف ومن ثمة قد تكون ثقافة هدامة أو ثقافة بنّاءة, ولهذا استطيع القول بأن ما يسري اليوم من ثقافات تكاد تكون وافدة على مجتمعنا العربي عامة والسوري خاصة , فمثلاً مفهوم الثقافة لدينا يستند إلى التسامح والتآخي والمحبة... وهذا كله مستند من الديانات السماوية كقوله تعالى (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) ولكن يبدو لي أن الأنساق الثقافية الآن لم تعد مصبغة بما كانت عليه من هذه الخصائص الرائعة الجميلة, فقد كنا سابقا دون أن نتحاور يتقبل احدنا الآخر ويعذره في ماكان يختلف معه فيه , لكن اليوم للأسف نشأت ثقافة أن الناس لايعذرون بعضهم بعضا فيما يختلفون فيه, وليس الأمر فقط منصباً على الاختلاف والخلاف وإنما أصبح منصباً على الإقصاء والإلغاء والنفي, كنا نشكو من تهميش المثقفين الآن، ليس فقط المثقفون هم المهمشون وإنما أصبح كثير من فئات المجتمع كذلك نتيجة اكتساح ثقافة الإلغاء, من هنا لا أدري كيف يستطيع الناس أن يستفيدوا من التقنيات الحديثة فهي تتطلب من المرء أن يطّلع على مجمل ماتطرحه هذه التقنيات وخاصة أن النوافذ كثيرة... وللأسف في الوطن العربي كان ينبغي أن نستفيد من هذه التقنيات لنشر المحبة ومن ثم النقد الموضوعي البناء , ومن هنا لذلك كنا نتمنى أن نعالج شؤوننا من خلال النقد الموضوعي وأن نلجأ إلى ثقافة الحوار وان يتقبل أحدنا الآخر وأيّ كانت حدة الحوار فممكن أن يبقى مقبولاً, لكن أن نلجأ في مابعد إلى أن نتحدث من خلال العنف والقتل فهذا خارج عن ثقافتنا وعن عاداتنا... اعتقد أن اللعب على الغرائز والشهوات وعلى ضعف النفوس قد أدى إلى شحن هذه الكراهية, وبالتالي استطيع القول إن هذه هي العناصر الأساسية في الثقافة المعاصرة التي نعيشها في حياتنا اليومية...‏

وأضاف جمعة: هذه العناصر هي التي أدت إلى اشتعال الأزمة لكن هذا لايعني أن هناك لايوجد مؤامرة !! وإنكارها هو مؤامرة, فحقيقة مايجري فعلاً إنها مؤامرة كبيرة جداً أرادوا من خلالها أن يشيعوا ثقافة الكراهية والحقد والعنف وأن يتقاتل الناس فيما بينهم, وأنا أول من اصدر كتاباً تحت عنوان (سورية الاستهداف والمؤامرة) لذلك نحن الآن نحتاج أولاً إلى إعادة تكوين الإنسان الواعي والمنتمي والذي لديه القدرة على التفريق بين مايضره وماينفعه , وعلينا الوعي بثقافة المحبة والحرية التي هي الإبداع الحقيقي, وبالتالي عندما ننمي هذا الوعي في الإنسان ونعيد مفهوم الاختلاف والتنوع الذي هو غنى وثراء, نستطيع أن نعيد بناء هذا المجتمع الذي كنا نتغنى بأنه يبنى على نسيج خلاّق.‏

نحن نريد أن ننمي ثقافة الحوار ولكن ليس الحوار من اجل الحوار أو نكون مثقفين بالحوار أو نجعل الحوار مخادعة أو أداة للوصول إلى غايات محددة, وبعد ذلك ممكن أن نلقي به على قارعة الطريق , الحوار هو تقبل للآخر واعتراف به وقبول بآرائه مهما كانت هذه الآراء, نحن نريد أن نحقق ثقافة حوار قائمة على احترام الكرامة الإنسانية لإعادة تكوين بناء الوطن... ومن ثم نعتمد القاعدة الفقهية أن ننفذ ماتوافقنا عليه ويعذر بعضنا البعض في ما نختلف فيه ويبقى الحوار قائماً لإيجاد الأرضية المشتركة...‏

أيضاً ينبغي أن نلتزم بعملية إنتاج وتنمية مستدامة شاملة لأن ماخربته أيدينا عليها أن تعيد هذا البناء, وهذه هي ثقافة التنمية الشاملة التي ينهض بها كل مواطن, وهذه التنمية تحتاج إلى صدق وإخلاص ومحاسبة مستمرة ودائمة وينبغي أن تكون هذه المحاسبة تحت سيادة القانون فلايستطيع إنسان بيع وطنه وان يجعله فندقاً كما فعل الكثير من تجار الأزمة والمثقفين والمسؤولين...‏

واختتم بالقول:علينا أن نحرص على مفهوم المواطنة الذي يؤكد على أن الوطن أغلى من أي شيء فإذا خسر الإنسان وطنه قد خسر كل شيء, ومن هنا تصبح المواطنة حرية ومسؤولية والتزاماً وانتماءً صادقاً ومن خلاله نعتمد مبدأ الكفاءة والمساواة.‏

غسان ونوس: (أبعاد إيجابية هامة)‏

الأديب غسان كامل ونوس نائب رئيس اتحاد الكتاب العرب قال: لو أن افتقاد المنابر الثقافية للحركة والضجيج اقتصر على التصفيق والمواكبة والصراخ، لما كنا محزونين كل هذا القدر، ولقلنا إن ذلك فضيلة من تبعات الأزمة؛ التي ليس فيها الكثير منها.. لكن الواقع يشير إلى أن الهجران والنكران؛ بل التنكّر،جاء معظمها من بعض من كانوا يصولون ويجولون ويقرّرون ويقوّمون ويمنحون ويمنعون.. من أدباء ومثقفين ومعنيين بالثقافة أو معيّنين فيها! ولعلّها فضيلة أخرى أن يتم انكشاف هؤلاء وترسّبهم،وتساقطهم أو تقشّرهم عن الجذع الذي ما يزال يقاوم التسوّس والريح و«الحدود» المشحوذة بالحقد والظلام.. ومايزال النسغ يسري في العروق المصونة الصائنة، وما تزال الغصون التي لم تتقصّف، تستعد لربيع حقيقي بعد فصول عجاف..‏

وإذا كان ممكناً تفهّم الظروف التي أثرت على القول إبداعاً وتعبيراً وإفصاحاً، فانكفأ أصحابه أو صمتوا أو ثبتوا، فإنّ هناك الكثير مما لا يمكن قبوله أو تسويغه, ولا بد من الاعتراف استطراداً أو استباقاً أن كثيراً من النشاطات الثقافية التي كانت، لم تكن لعينِ الثقافة، ولم يكن هاجس القائمين بها، ومنفّذيها، ومَن وراءها وأمامها ثقافياً إبداعياً..‏

ولذلك لم يكن التحضير في غالبيته مؤسّساً، ولا الإعلان مناسباً، ولا الإعلام محفّزاً، ولا الحضور مشجعاً، ولا الحوار مفعلاً؛ ناهيك عن التوقيتات والموضوعات والأصداء المطلوبة أو المرغوبة، والأجر المحسوس والمنتظر.. ولا ننسى دخول أصحاب الأموال على خط الثقافة «تبييضاً» أو دعاية لمشروعات وأفكار بغايات ليست مشرقة!‏

ومع ذلك، كان هناك من يقول بصدق، وينتقد بوجع، وينبّه بمسؤولية، ويشارك بأعصاب وأطياف وآمال وآفاق من دون انتظار وليمة، أو ثمن، أو رضا، أو موقع.. لكن المشكلة في من يسمع أو يرى أو يحس أو يهتم؛ كانوا قلة، لكنها فرص وإمكانيات ومجالات كان يمكن التحرك فيها أكثر، والجَني أوفر!‏

لقد وجد كثيرون من الأدعياء والأوصياء على الثقافة ومنابرها في الأزمة،التي تشغل الثقافة حيزاً مهماً منها أسباباً وعلاجاً، كلّ الأسباب «المشروعة» التي تسبّب الموات أو التماوت، فارتكنوا قصياً، أو قعدوا يسيّرون الأمور الوظيفية في حدودها الدنيا؛ كما أن هناك من «استفاد» من هذه المنابر، وخرج للتمويه أو التشويه أو التجريح! ومن الإنصاف القول إنه ما تزال منابر محدودة تقوم، مشكورة ومقدّرة، ببعض النشاطات الهامة، وتحاول أن تقدّم ما يفيد، وما يساعد على تجاوز الغصات؛ مع العلم أن لمجرد التحرك في هذا المجال أبعاداً إيجابية هامة.‏

إن هذا المفصل الأساس في حياتنا وفي نهضتنا؛ أقصد الظهور الثقافي الجادّ والناظر إلى ما وراء «الخرابة» بوعي وثقة، تتأكّد أهميته في مثل هذه الأوقات العصيبة أكثر فأكثر؛ فالقصور والفوضى والارتجالية والاستغلالية التي اكتنفته قبل الأحداث وخلالها كانت عوامل تفسّخ وتصدّع، ولا شكّ في أن معالجة ذلك،ومتابعته والاهتمام بأركانه القائمة والمتحركة، المادية والمعنوية، الميدانية والنظرية، البشرية والبنيوية من الأشياء التي يجب أن تكون منظورة ومدروسة ومقوّمة ومطوّرة؛ لأن الثقافة تؤثر في جميع مناحي الحياة، ولا سيما في مرحلة إعادة البناء والترميم والتأهيل التي نرنو إليها جميعاً بأمل وثقة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية