|
مجتمع ، يجيبون على تساؤلات الصغار اجابات غير منطقية بسبب جهلهم للإجابات الصحيحة أحياناً وبسبب سيطرة الفكر الغيبي أحياناً أخرى، ما يجعل أطفالنا في دائرة خطر النمو بعيدا عن التفكير العلمي الذي يمكن الإنسان أن يفهم الظواهر المحيطة به كما هي بالفعل وليس كما يتمناها، وعندما يكبرون تكبر مشكلاتهم في اختيار ماهو مناسب لهم فيتخبطون في طريقهم إلى المستقبل، لأنهم نتيجة عدم تنشئتهم على التفكير العلمي يبتعدون عند مواجهة الواقع عن إعمال العقل والنظر إلى الظواهر المختلفة الاجتماعية والعلمية كما هي للوصول إلى نتيجة مقنعة قائمة على التجربة والدليل والحجة والبرهان. أي لا يعتمدون المنهج الذي يكشف عن العلاقات الحقيقية بين بعض الظواهر فيستسلمون للخرافات والخوارق والأساطير والقوى الخفية الخارقة، ومرد ذلك الاعتقاد بوجود علاقات وهمية أو عرضية بين بعض الظواهر أو كلها، الأمر الذي لا يمكن التثبت من حقيقته بالرجوع إلى الواقع الحسي، وهو في العلم الطبيعي مقياس الصواب والخطأ، ومعيار الحق والباطل. ونركز على الأطفال لأنها المرحلة العمرية الأساسية التي يبدأ بها الانسان، ويمكننا هنا ذكر ما قاله «جان بياجيه» أنّ الطفل قبل سن الحادية عشرة أو الثانية عشرة غير قادر على التفكير القائم على التعليل المنطقي، وهو يبدأ بالتدرب على هذا النوع من التفكير بعد ذلك. ويوصف تفكير الطفل قبل هذه السن أنّه تفكير قائم على التعليل الحسي الذي يربط ما هو مادي بظواهر أخرى خارجية. والطفل في مرحلة الطفولة المتوسطة يعد بصريّاً في تفكيره أوّلاً، أي أنه يستعين بالصور البصرية إلى حد كبير، وهناك أيضاً دراسات عديدة أثبتت أنّ الأطفال في مرحلة الطفولة المتوسطة يفكرون في موضوعات عن علاقات متعددة ولكنها ليست ذات صفة معقدة. وبوجه عام فإنّ الطفل لا يصل إلى التفكير المعنوي المجرد إلا بعد هذه السن، إذ يبدأ هذا النوع من التفكير بالتبلور ابتداء من مرحلة الطفولة المتوسطة، ويزداد تبلوراً في الطفولة المتأخرة. فإذا كنا حريصين فعلاً على تنشئة أطفالنا تنشئة سليمة ومنطقية قائمة على اعمال العقل لابد لنا من نبذ أساليب التفكير الخرافي والتسلطي واللفظي، وطبعهم على التفكير العلمي الذي يُعد مطلباً تربويّاً أساسيّاً. ولا نقصد هنا بالتفكير العلمي، تفكير العلماء أصحاب التخصصات بقصد حل المشكلات والظواهر أو تفسيرها أو التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه، ويستعينون بلغة متميزة للتعبير عن نمط تفكيرهم، ويتبعون مناهج معينة ويتوسلون بأدوات وطرق محددة للوصول إلى الهدف. لكن ما نعنيه تدريب وتعليم الأطفال على الحكم على المسائل والمشكلات بوعي استناداً إلى ضوابط معيّنة، وليس هناك ما يجعل هذه الضوابط حكراً على العلماء دون غيرهم، أو الراشدين دون الأطفال، إذا ما استثنينا بعض الفوارق في الدرجة، وخصوصاً أنّ التفكير العلمي هو نشاط ذهني يراد أن يظل قائماً ليس في النظر إلى الظواهر المختلفة التي أصبحت موضع اهتمام العلوم، بل يتعداه إلى مختلف مسائل الحياة اليومية. ليتجنبوا التفكير الجزافي، ويتعلموا الاعتياد على المضي في خطوات معتمدة على بعضها هادفةً، بعيدة عن الجمود وغير قائمة على التعصب، وأن يكون واقعيّا. ورغم وجود المناهج العلمية في المدارس الا أن للبيئة الثقافية الاجتماعية التي ينشأ فيها الأطفال تأثيراً كبيراً في أساليب وأهداف ومستويات التفكير لديهم، لأنه كما هو معروف يتمثل الطفل السوك وطريقة الحياة تمثّل، فالبيئة تزود الأطفال بالخبرات التي تعد المعين الأوّل للتفكير، وتشكل أنواع الحوافز والمواقف المثيرة لتفكيرهم، يضاف إلى ذلك أن حاجات ودوافع وميول وعواطف الأطفال تؤثر هي الأخرى في تفكيرهم، وعلى هذا ففي الوقت الذي يعتبر التفكير نشاطاً ذهنيّاً إلا أنّه يتحدد بالثقافة ونمط الحياة إلى حد كبير، وعليه فإنّ ما تنشره الثقافة من تفكير لفظي، أو خرافات تنشر تفكيراً خرافيّاً، بينما تنشر الثقافة التي تغلب فيها القيم العلمية تفكيراً علميّاً. |
|