تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


طفولة مستمرة بتراث الأرض وأمل المستقبل

الجولان في القلب
الأثنين 18-4-2011م
ميساء الجردي

ربما علينا ألا نخلط بين الأغنية الجولانية الشعبية للأطفال، والتي رافقت مهد طفولتهم منذ عشرات السنين،

وبين التربية والتنشئة المعاصرة التي يرافقها التلفزيون والنت وغيرها من وسائل المعرفة والتواصل، لكننا نستطيع التأكيد على تكامل وتناسق هذه المعطيات لدى أطفال الجولان الصامدين، والتي تعكس آلامهم وآمالهم وأحلامهم وواقعهم المختلف عن واقع الأطفال الآخرين الذين يعيشون بعيداً عن قسوة الاحتلال وظلمه.‏

وأطفالنا الجولانيون ببراءة قلوبهم وصلابة عودهم ينظرون إلى غد مشرق جديد بعيداً عن المحاصرة والخوف.. لهذا نجد الكثير من الأمهات الجولانيات يضعن مقارنات تؤلم المشاعر وهن يصفن الفرق بين طفولتهن قبل الاحتلال وبين طفولة أولادهن وأحفادهن في القرى المحتلة.‏

تقول أم صفوان الشاعر: عشت طفولة مليئة بالحب والبساطة واللعب وكان يتوجب علينا مساعدة الكبار في أعمال الزراعة أو القطاف أو في الرعي وأعمال المنزل، لكننا كنا نشعر بطعم الحرية وصدق العلاقات والأمن والاستقرار.‏

وعندما أجبرنا الصهاينة على النزوح من بيوتنا وأرضنا، خرجت مع أمي وأخوتي وطعم المرارة يصبغ وجوهنا، كان عمري حينها بلغ السابعة عشرة أو الثامنة عشرة إلا أنني أدركت معنى أن يفقد الإنسان مكان وجوده ومرابع طفولته ويخسر ذكرياته وسنوات عمره.‏

وتتحسر أم صفوان على ما يعانيه أطفال الجولان في القرى المحتلة، فهم يحملون هموم الحاضر والمستقبل رغم صغر سنهم.. وهم يخلقون حياة من بين الألغام والقيود والمحاصرة ويجاهدون للعيش مع أسرهم.. والأم الجولانية رغم ما تحمله من خوف وقلق على أولادها الصغار إلا أنها تعمد إلى تربيتهم كجيل متأصل في الجولان والعروبة للوطن الأم سورية.‏

وبالعودة مع أم صفوان إلى ذكرياتها حول الأغنية الشعبية المخصصة للأطفال في القرى الجولانية، أشارت إلى أنه حتى الآن متوارث وهو في الكثير من جوانبه يشبه ما يغنى في القرى السورية.. فمثلاً عندما يحين موعد نوم الطفل تقوم الأم بهدهدته على رجليها أو حضنها وهي تردد بصوت حنون دافئ «يلا ينام، يلا ينام لأدبحلك طير الحمام.. روح يا حمام لا تصدق بضحك على ولدي لينام» وبعض الأمهات يرددن «نني يا عاقلة ويا مزيونة نني.. نني على الغني ويش بدك يا جعفر مني.. هيه هيه.. إلخ».‏

وتقول: إن الأغنية الشعبية للأطفال كانت ترتبط بالمناسبات والأحداث وتتسم بالفرح والشقاوة.. إذ لم تكن موجودة حينها أجهزة إعلامية مرئية.. بل كنا نغني مايعلمنا إياه الكبار وقد توارثه أولادنا جيلاً بعد جيل.. وأذكر أننا كنا نحمل علباً صغيرة من (التنك) نضعها فوق عصا من الخشب ونحركها لتصدر صوتاً قوياً ثم نغني:‏

يا رب تشتي يا رب‏

يا رب تشتي بالطاسة‏

لنسقي العراسه..‏

وشتي يا دنيا شتي.. ع قرعة جدي‏

وكانت هناك أغان للزراعة، وأغان للعيد وأغان للطيور وغيرها من الأغاني التي لم نكن ندرك معناها ونحن صغار، لكننا كنا نسير جماعات من الأطفال في حواري القرية ونحن نرددها بأصوات عالية ونطرق على التنك أو الطبلة.‏

هو الأغلى‏

وطبعاً هذا التراث لا يسير اليوم كما هو في ذاكرة أم صفوان وغيرها من أهل الجولان الكبار في السن، لكنه موجود وينقل إلى الأطفال ضمن أفراد الأسرة وفي روضات الأطفال وعلى المسارح المخصصة للطفولة، والتي أوجدها أهلنا الجولانيون رغم الحصار في منطقة محتلة تخضع بكل ما فيها للإقامة الجبرية، فكانت لهذه الروضات رؤية خاصة لتنشئة أجيال صادقة ومحبة ومسؤولة ومعتزة بنفسها، وضمن هذه الرياض والمسارح والتنشئة برزت الأغاني الشعبية القديمة، يضاف إليها أغاني يوم الأسير والإضراب الوطني الكبير واحتفالات عيد الجلاء وغيرها من المناسبات الوطنية التي تترافق فيها أصوات الأطفال مع رفرفة العلم السوري مع نشيد الوطن.‏

ومن الرياض إلى المسارح الوطنية التي بدأت تشكل لوناً جديداً من ألوان التحدي.. والتي أبطالها أيضاً هم أطفال الجولان في القرى المحتلة، بسنهم الصغير وأدائهم الكبير.‏

ويبهرنا اليوم أطفال الجولان وهم يقفون مستنكرين الضغوطات الغربية على وطنهم الأم سورية ويشاركون ذويهم في وقفتهم الحية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية