|
رسم بالكلمات وحيداً في المنزل. زوجته التي أحبّتْ ذلك المساء أن تصطحب معها ابنتيها لزيارة صديقتها التي تقطن على أطراف المدينة قالت له وهي تبتسم :
يمكنك الآن أن تستعيد حريتك، بإمكانك أن تتابع القنوات التي تريد، أن تشرب الشاي أو القهوة، أن تخرج إلى إحدى الشرفات، وبإمكانك أن تقرأ هنا في الصالون بدلاً من غرفة النوم، أو حتى أن تنام. قال في سرّه وهو يغلق الباب خلفها: سأقوم بكل ما ذكرتِ، وسأبدأ منذ هذه اللحظة ها أنا أضع أبريق الشاي على الموقد ، وسأقرأ رواية فردوس الجنون لأحمد يوسف داؤد، وسأخرج إلى الشرفة لأراقب النجوم. هنا لا يعلم لماذا ارتعشت أصابعه عندما ذكر تلك الكلمة ( النجوم ). آه من النجوم ..أصبحت هذه الأرض متخمة بالنجوم .. لا بل وتزاحم السماء..! في كرة القدم اللاّعب النجم.. وفريق النجوم.. والمعلّق النجم. أما في عالم الفن والطرب والتمثيل فحدّث ولا حرج.. الفنان النجم.. النجم اللاّمع.. النجم الساطع.. نجم الطرب الشعبي.. نجوم الدراما المحلية.. نجمة الحوار، نجمة الشاشة، نجوم الغناء العربي، النجم المعجزة السوبر نجم .. ناهيك عن النجوم التي تطاردك هنا وهناك.. وتجعلك تتلفتْ خلف خيالك في الشوارع والأزقة والمنعطفات.. تتلمس ركبتك التي أدمتها الحجارة ذات صيف، وتمسح رأسك وأنت تتباهى بشعرك الذي طال وانتصب بعد السنوات العجاف. على الشرفة لم يطل وقوفه.. فرنين الهاتف قطع عليه تأمله وتذكّره لحالاتٍ كانت ساخنة يوم كان نجمه يشع في قلبها كلّما ابتسمت سماء حبهما وكشفتْ عن لقاءٍ تحت عباءة الليل. عاد إلى غرفة النوم, حمل معه كتابه المسكين ( فردوس الجنون): ( ياله من عنوان يصلح لهؤلاء الذين يعيشون حالة النجومية، أي جنون ينعمون به ..!؟) عاد إلى أشرطة ال cd . قلّبها، كان على قسمٍ منها ورقة بمثابة الهوية، تعرّف بمحتويات الشريط . ومن بين تلك الأشرطة كان شريط حفل الزفاف الذي حضره منذ حوالي العشر سنوات لصديقه « أبو محمد ». كان صديقه كميل قد أحضر لهذا الحفل فرقة النجوم من مدينة قريبة .. لكن وأيّ فرقة ؟!.. وأحضر للمناسبة عينها نجم العتابا والهوارة في السهل والجبل والساحل والجرد والعاصمة وأكثر من ذلك، نجم الصحارى والسهول كما قُدِم لنا. وبالرغم من كل تلك النجومية، كان هناك ما يدعو للريبة والقلق. الجميع يخشى أيّ احتكاكٍ قد يطيح بالحفلة. وصديقه ( العريس) يطلب باستمرار من العروس أن تبتسم، ولأنها ليست على ما يرام فقد كانت ابتسامتها شاحبة وهزيلة كورقة الخريف. ورقة الخريف هذه لم تستطع البقاء. ظنّها الجميع قد قامت مع العريس للرقص، لكنهما سارا برفقة والد العروس وولجا أحد الغرف في المقصف. بدأت الشوشرة.. يحاول الآن أن يتذكر ما قالته له تلك التي كانت على طاولة مجاورة لكنه لم يستطع. في الأيام التي تلت الحفلة، تحدثوا عن طلاق وشيك. بعد حين من الدهر تحدثوا عن قيام والدة العروس بسرقة مهرها، وبعد ذلك تحدثوا عن الحاجيات التي قدمها والد العروس ( مكنسة كهربائية وفرن غاز وأشياء أخرى ). بعد الولد الأول تحدثوا عن حياة الفقر التي تعيشها. أثناء الحمل الثاني تحدثوا عن خوف والدته من أن يكون المولود الثاني كالأول، بنتاً. بعد الولادة الثانية كانت الأقاويل تتسرّب في الزواريب عن صدمة والدة العريس لأنها حذرت ابنها من ذلك الارتباط. الآن تتحدث العروس عن حبٍ تحسدها عليه كل النسوة. السيارة التي حصلوا عليها من جيوب الآخرين زادت من حالة الوئام بين الزوجين. انقطعت الكهرباء، ساد جو من الصمت، ضحكات تنبعث من مكان ما وصوت كأس ينكسر. يخرج مرتضى ليقف على شرفته ناظراً إلى النجوم التي لاأثر لها في السماء. ماذا حدث ..؟! الآن وقد استوعب ما جرى. ثمة غيوم تلبدتْ وتكاثرت في السماء.. قد يهطل المطر.. قد تبتلّ زوجته، لا وجود لمظلة تحميها عندما تعود. تنبتُ الأفكار في رأسه من جديد. يدخل إلى غرفته ليتابع تفاصيل سهرة الخميس. ينزع شريط ال cd .. يعود إلى شرفته ويقذفه باتجاه الغيوم علّ الرياح تحمله إلى سماءٍ لا يوجد بها نجوم.. أو إلى أرض لا ينبتُ فيها إلاّ الشوك ..!!! |
|