تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نوار البحرة في إطلالتها الأولى... هكذا تفتّح وعيها على اللوحة الطفولية

ثقافة
الأثنين 18-4-2011م
أديب مخزوم

تتجه التشكيلية والمهندسة نوار البحرة في انطلاقتها الفنية بمعرضها الفردي الأول في المركز الثقافي الروسي نحو الاختصار والاختزال

في تجسيد المشهد الطبيعي المحلي والأجواء البحرية والعناصر النباتية والإنسانية والوجوه والمساحات والإيقاعات اللونية لعناصر الاشكال القادمة من تأملاتها المباشرة أو من معطيات الذاكرة تطل في لوحاتها مع تعاقب الفصول والأزمنة.‏

وقصة نوار مع الرسم بدأت من أيام الطفولة حين كانت تتأمل رسومات والدها الفنان الكبير ممتاز البحرة الموجهة إلى الأطفال والتي أكسبته شهرة واسعة بعد دخولها ولسنوات طويلة في كتب القراءة في الصفوف الابتدائية كافة وتجسيدها لشخصيات مبتكرة مثل: باسم ورباب وميسون ومازن.‏

هكذا تفتح وعيها على حب الفن الموجه إلى الصغار وفي المعرض لوحات عديدة تبرز علاقتها المباشرة بجمالية اللوحة الفنية الطفولية في حالات تجسيد تداعيات الحلم المفتوح على نزهات الربوة ونهر بردى والبحر والأشكال النباتية المنزلية الممتدة على جدران ونوافذ ومداخل وشرفات البيوت الدمشقية القديمة الزاخرة بالحكايات الشعبية والمكشوفة على الضوء والياسمين والاضاليا والمنثور من الداخل والخارج معاً.‏

تخيلات فطرية‏

تتمحور معظم لوحات المعرض 35 لوحة حول أحلام طفولتها المستعادة والمقروءة في لمسات خطوطها وألوانها العفوية والفطرية وأيضاً في مواضيعها المطروح ولاسيما المواضيع التي تعكس تخيلاتها لسحر المجاهل البحرية بصخورها ومرجانها ومحارها ونباتها وحركة أسماكها النادرة الملونة بألف لون ولون.‏

ومن الناحية التشكيلية تتفاوت لوحاتها القادمة من تأملات حركة العناصر والمشاهد والأشكال ما بين التعبيرية والتجريدية حيث تغيب الأشكال عن بعض لوحاتها وتبرز تداخلات لونية مختلفة في تحولاتها نحو أجواء التشكيل التجريدي الانفعالي القادم من طريقة تحريك اللون في كل الاتجاهات بأحدث وسائل وتقنيات العصر كما تهتم في رسم عناصر الشجرة بإظهار الضربات المتتابعة والمتجاورة والتي تظهر أوراق الشجرة وظلاها وشاعريتها وغنائيتها وتؤكد حيوية انفتاحها على جمالية اللوحة الفنية الحديثة في تنويعاتها التعبيرية المتقاربة والمتداخلة مع الغنائية البصرية.‏

الأم الملونة‏

وتطل أحلام ومشاعر الأمومة في العديد من لوحاتها كحالة وجدانية مفعمة بالأحاسيس الإنسانية العميقة فهي الأم الرسامة والأم الملونة والأم المهندسة التي تجسد اطلالة وجه ابنتها بفرح داخلي كامن في مشاعر الأمومة وهنا تتجاوز أسلوب الرسم بلمسة واقعية وتسجيلية وتصل إلى حدود استخدام اللمسات والضربات والحركات ايقاعات اللون الأسود ودرجاته وصولاً إلى استخدام الألوان الممتزجة والصريحة والموزعة في أحيان كثيرة على سطح اللوحة دون اعطاء أهمية للوحة الواقعية وللثرثرة التفصيلية.‏

وتنتقل إلى أجواء رسم العازفين والعازفات فتقدمهم بطريقة مجتمعة أو منفردة وفي إحدى لوحاتها تبدو عازفة الناي أكثر ارتباطاً بمظاهر الرسم التعبيري في حين تتداخل -حشود العازفين في خلفية اللوحة في اطار التبسيط والتحوير بحيث لايكاد المشاهد يرى منها سوى إشاراتها المبسطة والمحددة بإيقاعات اللون الأسود وتدرجاته.‏

وفي ثلاث لوحات معروضة تبدو أكثر ارتباطاً بعوالم الرسم البانورامي القصصي الموجه إلى الاطفال والمتأمل لخطوطها الرفيعة التي تجسد من خلالها في إحدى لوحاتها عازفة البزق يدرك مدى تأثرها بجمالية اللوحة الطفولية.‏

وعلى هذا تطل نوار البحرة في معرضها الأول لإظهار كثافة الملمحين التعبيري والطفولي وهي تعمل على تحويل اللوحة احياناً إلى ايقاعات شاعرية وغنائية وتبدو أكثر اتجاهاً نحو التبسيط والاختصار والاختزال وصولاً إلى التجريد اللوني، وهذه الطرق التعبيرية المتحررة من قيود الرسم الواقعي تجعل العناصر والأشكال تتجه لإبراز تداعيات الحالة الداخلية الانفعالية في لمسات اللون، وحتى إن كانت تعتمد على تقنيات الرسم والطباعة الحاسوبية كما تجعل الأشكال المرسومة أقرب إلى الصياغة الفطرية والطفولية، فالطابع الفطري والطفولي يطغى على ألوانها وخطوطها وهذا يبعدها مسافات عن الحس التزييني ويجعل عين المشاهد تقع على بنى تشكيلية حديثة تعطي إيهامات بصرية بحضور سماكات لونية قريبة من تقنية استخدام فرشاة الرسم العريضة في وضع عجائن اللون الزيتي، وبعبارة أخرى تعطي المشاهد انطباعاً بقدرتها على تقديم لوحة رقمية قريبة في إيقاعاتها البصرية من اجواء استخدام تقنية الرسم الزيتي الحديث والمعاصر.‏

adibmakhzoum@hotmail.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية