|
ثقافة راح يدافع بلا هوادة ودون أناة أو تبصر عبر حوارات جرت معه ومقابلات أدبية نشرت في المجلات والدوريات.. الخ عن السرد الإخباري في شعره الصحفي المصبوب بقالب نظم عروضي حديث الهيئة والنمط ويسمى ذلك التبسيط الأسلوبي توصيلاً للقارئ عن طريق استخدامه الوضوح والإيضاح في أعماله الشعرية المنجزة، ويتذرع بأنه يريد أن يوصل قصيدته إلى أكبر قطاع من الجماهير البسيطة ذات السوية التعليمية والثقافية المحدودة الأفق حتى يبقى على تماس معها ويقوم برسالته التنويرية تجاهها كما يصرح، لذلك تراه يعمد إلى استعمال الجلاء الواضح في طرح أفكاره المصممة سلفاً وإلى استخدام النثرية السهلة الصياغة واللهجة الخطابية الجاهزة الأنماط التعبيرية في تناول موضوعه المعالج جرياً وراء تحقيق هدفه المبتغى ألا وهو الشهرة الجماهيرية المتوخاة وهكذا يخسر بتصرفه هذا قبسة الفن وجمال الإبداع وقيمة الأثر ويصبح شعره منشوراً سياسياً أو استبياناً اجتماعياً أو عرضاً مقالياً يتخذ من شكل القصيدة الجديدة القائمة على وزن التفعيلة بمضمونه الملتزم والهادف بعيداً عن مفهوم الحداثة الصميمية قالباً يحتوي ماهية الجدب لاالخصوبة، الرمل لاالتراب،ويغشى المنتديات الأدبية ويعتلي المنابر الثقافية ليلقيه أمام الحضور منتظراً تصفيقهم لشعاراته لا لشاعريته، وفي هذا التسويغ للمباشرة والدفاع عن اعتمادها سبيلاً للتواصل والايصال محض افتراء على الجماهير أولاً وخروج معلل تعليلاً غير مقنع من مأزق (اللافنية) الذي تسقط فيه القصيدة التقريرية الأداء ثانياً. الجماهير «تشعر» بالشعر بما وراء الكلمات من إيحاءات بما خلف المعاني من إشارات بما تحت الصور من تجليات وتندمج بما تسمع من القصيد والنشيد ذاتياً وتتفاعل معه روحياً وتنصت له نفسياً ومهما حاول بعض الشعراء إنزاله من برجه العاجي ليتحول إلى سلعة يبقى في عرف النقد الأدبي الموضوعي فن النخبة والصفوة من قبل المتلقين وبالتالي والحال كما ذكرنا ليس من الضروري لهذه الجماهير ذات الثقافة والمعرفة المحدودة والذوق الفطري الخام غير المدرب أن «تفهم» الشعر بدرجة أو بأخرى فنبسطه لها لتستوعب ماهيته، إنها تتلمس خفاياه وتدرك نواياه بالسليقة لا بالمرجعيات وتطرب للوتر الحساس يعزف عليه الشاعر أبهى ألحانه وأسمى أنغامه فيثير مشاعرها ويذكي مكامنها ويؤثر في وعيها الجمعي ذلك لأن الشعر في أحد مفاهيمه وتوصيفاته هو فن يحس به إحساساً مجهول الهوية ويسري فعله على متلقيه أياً كان نوع التلقي سريان الخمرة في الأوردة والنشوة من السكر بجملة طرائق ووسائل إيصال لامجال الآن لذكرها والخوض في فذلكتها وينتشر فوحه انتشار العبير والأريج من الورود والأزاهير على الطبيعة والكون كله فيصغي الوجود لبوحه وهو ليس أيضاً علماً تطبيقياً أو بحثاً فكرياً يفصح عن نفسه بصحة أطروحاته وصواب نظرياته ويدافع عن ذاته بالبراهين والأدلة وليس كذلك مقالة صحفية سهلة القياد تكتب لعامة الناس ليطالعوا مافيها من أخبار ومعلومات وآراء ومعارف وتفصيل وتحليل، والشاعر الذي يرصف المفردات والألفاظ رصفاً موزوناً فقط في قصيدته دون أن يفجر فيها حرارة الفن وتوهج الإحساس وضغط التجربة وعمق المعاناة ولذعة التجاوب والقدرة على إحداث مؤثرات في عقل المتلقي ووجدانه تدفعه على التغير والتغيير الإيجابي في سلوكه وأنشطته الجسدية وأجهزته البديعية وفعالياته الاجتماعية ومن غير أن يقدمها بألواح من الصور التشكيلية الموحية في رسمها وتلوينها وتوشيتها بمساكب النور والظل واستخدام الصياغات اللغوية المعبرة والمتوائمة مع طبيعة المعاني المطروحة والأفكار المعالجة في جو من موسيقا الإيقاع وهزة الشعور. هو شاعر ينظر إلى خلف ولا يعرف ما أمام، شاعر سكوني يستهويه الانقياد إلى الجاهزية والبيان الشعري المكرر والمتداول الشائع وإن كان يكتب قصيدته على الطريقة الحديثة ويوهم نفسه أنه تقدمي في شعره وموقفه ومنحاز إلى الحداثة والتجديد وهو ليس بذاك في رأي النقد الأكاديمي الصائب النظرة والحكم ورأي علم النفس وعلم الجمال كذلك. |
|