تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


صالح القضماني.. من أبطال الثورة المنسيين

مجتمع
الأثنين 18-4-2011م
إعداد: منال السماك

«الدين لله والوطن للجميع» مقولة كانت من أبرز ما جاء في بيان سلطان باشا الأطرش للسوريين عند إعلانه انطلاق الثورة السورية الكبرى فانضوى تحت لوائه كل الوطنين والشرفاء متجاوزين كل الانتماءات ليرتفع انتماء واحد هو لسورية وطن الأحرار.

ولأن الوطن هو الأغلى وترابه هو الأطهر بذلت الأرواح رخيصة فداء للحرية وكان 17 نيسان تاريخ مجد وبطولات بجلاء آخر جندي عن أرضنا بقوة إرادة وتصميم أبناء الوطن فسالت دماء زكية وقضت نفوس أبية وسطر أبطال الثورة ملاحم بطولية نقشت على صفحات التاريخ بأحرف مضيئة.‏

المجاهد صالح القضماني رجل من مجاهدي الثورة السورية الكبرى من أهالي بلدة «قنوات» عرف أنه من الأبطال المنسيين باع قطعة أرض واشترى بندقية ووضعها على كتفه وتزنر بالرصاص عندما التحق بالثوار عصر اليوم الأول قبل معركة المزرعة الشهيرة وتحديداً في معركة تل الخروف في الثاني من آب عام 1925.‏

وقد رويت عن بطولاته قصة أشبه بمشاهد فيلم عمر المختار ولكنها في الحقيقة قصة هذا البطل المنسي الذي لم يعبأ بالموت.‏

اخترقته الرصاصة الأولى في فكه الأيسر وشقت طريقها إلى الجهة المقابلة، نظر إلى البعيد فوجد مصفحة تندفع إلى الأمام وتطلق نيرانها بكثافة فمشى خطواته الأولى غير عابئ بالرصاص فاخترقت الثانية يده اليسرى ولم تمهله الثالثة ليلتقط أنفاسه فأصابته في كتفه، لم يئن جثا على ركبتيه لينتزع بندقيته فاخترقت الرابعة قدمه اليسرى فخلع كوفيته عن رأسه ومزقها وضمد بها جراحه النازفة ووثب مسرعاً إلى أعلى المصفحة ومن فجوتها صوب بندقيته إلى رأس قائدها فقتله ولاذ بقية الجنود في جوانبها، توقفت نيران المصفحة وأخذت تترنح ذات اليمين وذات الشمال حتى توقفت عن الحركة عند المنحدر خرساء صماء مستسلمة لقدرها، قفز عن ظهرها إلى الأرض وأسند كتفه إلى جانبها الأيمن حتى انقلبت المصفحة رأساً على عقب إلى الحفرة الجانبية واشتعلت فيها النيران واستسلم من فيها تاركين ذخيرتهم غنيمة.‏

يقول المؤرخ الراحل «نعمان حرب» في مذكراته «أبطال منسيون» عن المجاهد القضماني قاهر الدبابة الفرنسية: «استمر المقاتلون في معركتهم والقضماني يتقدمهم والضمادات اكتست لون الدم وبعد أن توقف النزف، سمع صوتاً يناديه من بعيد «الحقني يابو قاسم» فالتفت إلى مصدر الصوت وإذ بأحد أبناء قريته ويدعى «إبراهيم الجرماني» يفترش الأرض ويئن من جرح بليغ أصيب به فركض مسرعاً إليه رغم الألم في ساقه ووجهه وكتفه وحمله على ظهره ونقله إلى مكان آمن خارج المعركة وعندما اطمأن عليه خشي أن يلفظ أنفاسهه بين اللهب ودوي الرصاص، غير أن الثوار انتصروا وبدأت فلول الفرنسيين بالانسحاب بعيداً، وبعد مرور سنتين ونصف بقي القضماني في بيته المتواضع يعمل في أرضه وآثار الجراح بقيت في فكه ولا تخرج الكلمات من فمه بوضوح وعمر حتى تجاوز الثمانين من عمره، وبقي كالصفصاف متنقلاً بين كرومه وبيته وكالمدرعة الزاحفة إلى الجبهة يجللها وقار الشيخوخة حتى غادر الدنيا عام 1983م تاركاً وراءه مثالاً يحتذى بالبطولة والتضحية واقتحام المصاعب ومقارعة الموت لأنه آمن بالمقولة السائدة «اطلب الموت توهب لك الحياة» فلبى نداء الثورة وسار باتجاه الحرية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية