تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من الكعك إلى الدولارات... ما أشبه اليوم بالأمس!

مجتمع
الأثنين 18-4-2011م
غانم محمد

سورية.. في كلّ حرف من حروفها حكاية وعبرة وقصّة عشقٍ... فالسين، سمونا حتى لامس السماء زهونا، والواو وداعة الناس ووسامة الدنيا، والراء ربيع يغمر السهل والجبل ويعد بكلّ ما هو جميل،

والياء ينبوع عطاء تدفّق من أبجدية أوغاريت إلى الماء الذي حوّلته سورية إلى الأردن الشقيق إلى الكهرباء التي أنارت بها سورية ظلمات لبنان الشقيق على الأمان الذي منحته سورية للأشقاء العراقيين إلى الدعم الذي بذلته للقضية الفلسطينية، والتاء تراتيل الصدق في محراب العروبة..‏

سورية، ما أروع حظّي وما أحلاه لأنني سوريّ، ما أسعد هذا الزمن الذي انتسب إليك يا شآم..‏

سورية أمّي، ومعشوقتي حتى الثمالة، سورية وجهتي وقبلتي والعشّ الذي احتضن زغب أحلامنا مذ كنّا صغاراً..‏

سورية سلطان باشا الأطرش وإبراهيم هنانو وحسن الخراط والشيخ صالح العلي وحافظ الأسد وبشار الأسد..‏

سورية أنا وأبي وابني وضحكات ابنتي وزغاريد أمي وزوجتي في حضرة رسل الحرية وعرسان الحور العين..‏

سورية، هذه العروس التي تمشّط شعرها بقصب الغدران وترتدي في قدميها الأقحوان وتفرد ضحكتها على طول وعرض الزمان، لن تتخلّى عن اسمها ولا عن لون الصبح في شرفاتها، ولن يمنعها نعيق الغربان من رفع صلاتها لله وللمجد..‏

روى لي أبي عن أيام الاحتلال الفرنسي مشيراً بيده نحو ما عرفناه منذ صغرنا مخفراً للشرطة في ضيعتنا: لقد بنى الفرنسيون هذا المخفر بعيداً عن مركز الضيعة خشية احتكاكهم بالناس، وكنّا صغاراً في تلك الفترة ومع هذا كنّا نتسلق سفح ذلك الجبل لنرشق المخفر بالحجارة، فكان الفرنسيون يهددونا تارة لنبتعد عن مخفرهم، وتارة أخرى يحاولون إغراءنا بـ (الكعك المالح) ويطلبون من بعض الصبية أن يخبروهم عن أماكن بعض المقاومين للاحتلال مقابل هذا الكعك، لكن قوة الشعب وإيمانه بالبلد كان أكبر من حماقتهم وأكبر من إغراءاتهم، وبقيت سورية عزيزةً على الأخذ، ورحل الجنود الفرنسيون عن الضيعة وبقي هذا المخفر والذي تحوّل في مهامه من مروّع للناس هنا إلى عامل أمن وأمان حيث بقي لسنوات طويلة خلت هو مخفر للشرطة وأمانة للسجل المدني في الضيعة..‏

الآن، وبعد 64 سنة على رحيل المحتلّ الفرنسي يحاول بعض الذين سوّلت لهم أنفسهم العبث بأمان سورية أن يروّعوا هذا الشعب الطيّب جداً، والمتحاب جداً، وحاولوا اختراق وحدتنا الوطنية ولكن بدل الكعك استخدموا الدولار هذه المرّة وسيكون مصيرهم كما كان مصير كلّ من سبقهم....‏

ما يحزّ في النفس هو أن تتحوّل بعض الأماكن التي كانت رمزاً للنضال الوطني الطويل في سورية إلى أوكار للمخرّبين وللذين باعوا أنفسهم للشيطان الصهيوني وذيوله الناطقة باللغة الأقدس..‏

لقد حاولوا تشويه كل ما هو جميل، المكان واللغة والمفاهيم الكبيرة التي بذلنا في سبيلها أذكى الدماء فصار المخرّب يختبئ خلف شعار الحرية والحاقد ينادي لـ (الجهاد)، وتُسلَب حكايا البطولة في قلعة المرقب ليخبّئوا مكانها الأسلحة التي أُشهرت بوجه الأبرياء وغدرت بجنودنا البواسل..‏

نعم أيها المجاهد صالح العلي، هنا حيث شرّفتَ ببطولاتك كل شبر من ثرى المرقب وبانياس، حاول بعض المارقين تغيير وجه الزمن، هكذا اعتقدوا، وهكذا صوّر لهم سادتهم المشهد لكن هيهات..‏

الجلاء الذي خطّه آباؤنا وأجدادنا بدمائهم في السابع عشر من نيسان سيبقى منارةً مع شروق شمس كلّ نهار، وأبطال الجلاء هم الذين أنجبوا الأبطال الذين يدافعون عن حرية بلدنا وسؤدده ومجده، فبورك أبطال الأمس وبورك أبطال اليوم والخلود للذين تسربلوا بالضياء واختاروا لأنفسهم مكاناً في عليين، وحُشروا مع الأبرار والطاهرين...‏

هذه هي سورية، شعباً وأرضاً وقائداً لم ولن تكون إلا لخير أبنائها، ولم ولن تكون إلا لخير الأمة التي سادت الدنيا بلغة القرآن الكريم، فطوبى لك سورية، طوبى لمن يؤمن بكِ، وطوبى لك يا قائد سورية الحكيم فأنتَ واللهِ خير أبنائها، والقلب الذي سُكبت فيه محبة كل أبنائها...‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية