تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المجاهــــد الشــــيخ صالـــح العلـــي...أول من أطلق الرصاص على المحتل.. ورفض مشروع تقسيم سورية

مراسلـون
الأثنين 18-4-2011م
هيثم يحيى محمد

كانت ثورة الجبال الساحلية بقيادة المجاهد الشيخ صالح العلي أول ثورة سورية تطلق الرصاص في وجه الاحتلال الفرنسي بعد أن احتلت فرنسا الساحل السوري بتاريخ 30/10/1918 تنفيذاً لاتفاقية سايكس بيكو وعلى إثر هذه الثورة اندلعت الثورات الوطنية في عدة مناطق على امتداد الساحة السورية (الشمال- الغوطة - الجولان- حوران جبل العرب- الثورة السورية الكبرى-.....الخ).

الباحث (عبد الكريم قميرة) الذي كتب دراسة عن ثورات الريف في الوطن العربي وخصص ضمنها فصلاً خاصاً عن ثورة المجاهد الشيخ صالح العلي معتمداً على /29/ مرجعاً محلياً وعربياً وعالمياً.‏

وبمناسبة الذكرى الخامسة والستين لعيد الجلاء سنخصص موضوعنا اليوم للحديث عن هذ ه الثورة وقائدها منذ انطلاقتها وحتى توقفها مروراً ببعض أحداثها ووسائل دعمها ومعاناتها وذلك من خلال دراسة الباحث (قميرة) ومراجعها.‏

كانت صدمة السوريين شديدة جداً عندما علموا أن فرنسا قد احتلت الساحل السوري في /30/ تشرين الأول 1918 تنفيذاً لاتفاقية سايكس بيكو بين فرنسا وانكلترا بعد أن انسحبت منه قوات الأتراك.‏

وتألفت حكومة عربية بعد أن أصبح فيصل بن الحسين ملكاً على سورية وانطلقت البلاد حالمة بالسيادة والحرية والاستقلال ولا سيما، قد زال ظل الأتراك المقيت ومشانقهم البغيضة..‏

ولما دخل الملك فيصل إلى دمشق جرى له استقبال شعبي من قبل الجماهير.. ثم أرسل هدايا للشيخ صالح العلي مع رسالة شكر لوقوفه بجانب الثورة العربية ضد الأتراك وقال الشيخ صالح لرسل الملك فيصل إنه يحسب حساب الفرنسيين ودخولهم إلى الساحل السوري..‏

وبعد ذهاب رسل الملك وجه الشيخ دعوة لوجوه ومشايخ القرى والنواحي للاجتماع بهم في الشيخ بدر.. وشرح لهم رغبة المحتلين الفرنسيين في تمزيق وحدة البلاد وفصل الساحل عن الداخل.. وأيّدوه في إعلان الثورة للحفاظ على وحدة سورية والكفاح ضد الغزاة الفرنسيين.‏

وقد بلغت أنباء هذا الاجتماع الذي عقد بتاريخ /15/ كانون الأول عام 1918 مسامع الفرنسيين فأرسلوا فوراً قواتهم إلى الشيخ بدر عاصمة الثورة وكان ذلك بدء شرارة الحرب، إذ صدتهم فصائل المقاومة الريفية بشدة وقوة وأوقعت بهم خسائر فادحة في الجنود والعتاد..‏

وينقل الدكتور عبد اللطيف اليونس السياسي والوطني الكبير في كتابه عن ثورة الشيخ المجاهد أقوالاً مترجمة عن الكتاب الذهبي الفرنسي مايلي:«إن رجال الشيخ صالح يشبهون الجان باختفائهم المفاجئ وظهورهم المفاجئ».‏

ويتابع الكتاب فيقول عن الشيخ صالح: «إن هذا الرجل خطر ومخيف وقد تشرب مبادئ الملك الهارب فيصل.. إنه عنيد حقاً ويحارب بلا أمل، ويقول في نهاية الكتاب: «إننا نشارك الرأي العام الفرنسي رغبته في أن يرى هذا الرجل وهو مكبّل بالاغلال وحافي القدمين في شوارع باريس.. لكن شرف فرنسا العسكري قد اضطرنا للوفاء بعهدنا بالعفو عنه».‏

يزعم المؤلف الفرنسي أنهم عفوا عن الشيخ المجاهد البطل التزاماً بشرف فرنسا.. لكن أين هذا الشرف عندما كانت جيوشهم تدمر البيوت في منطقة الشيخ بدر وريف طرطوس وجبلة واللاذقية? وعندما أعدم القائد الفرنسي في طرطوس في قرية عقر زيتة رسولاً أرسله الشيخ صالح العلي كي يطلب منه عدم التعرّض للإسلام وللرسول الكريم بالكلمات الجارحة!!‏

وقد غضب الشيخ المجاهد للكرامة العربية وأرسل بعض الرجال وكمنوا لذلك الضابط عند جسر الحصين وقتلوه مع عشرة من جنوده.. كانت ثورة الشيخ صالح تتزوّد بالأسلحة من قبل الملك فيصل (ولما غادر دمشق إثر احتلال غورو انقطع المدد) ثم من قبل الزعيم هنانو في الشمال حتى ألقى سلاحه.‏

وحاول الشيخ المجاهد جلب السلاح من لبنان واستورد كمية كبيرة منه بعد أن دفع ثمنه نقداً فقام أحد الزعماء المحليين الضالعين بالتعاون مع فرنسا وأخبر السلطات بقدوم قافلة السلاح وعددها أربعة عشر جملاً.. فصادروها قرب قرية تل الوعاوع جنوب صافيتا. عندئذ أدرك الشيخ الثائر أنه وبعد فقدان السلاح بات محصوراً مع رجاله بالرجعيين المتواطئين فهرب والتجأ إلى الجبال.‏

حكمت عليه فرنسا بالإعدام ورصدت له جائزة مقدارها مئة ألف فرنك فرنسي لمن يدل عليه وألقت الطائرات صورة عن ذلك الحكم.. وبعد عام كامل اضطر الجنرال غورو وبإيعاز من حكومته في باريس أن يصدر عفواً عن الشيخ المجاهد.. وقرر الشيخ الاستسلام وذهب مع المستشار الفرنسي لمقابلة الجنرال بيّو (بيلوت) في اللاذقية الذي استقبله بما يليق من الحفاوة والتكريم، وسأله عن الدافع لهذه الثورة ضد الفرنسيين فاختصر الشيخ المجاهد الجواب وقال: «إنه حبّ الوطن»، ثم قال له: «والله لو بقي معي عشرة رجال مجهزين بالأسلحة والعتاد لما تركت القتال».‏

وعرض الجنرال عليه أن يساعده في السلطة وإدارة البلاد فرفض الشيخ ذلك واستغرب الجنرال وسأله عن سبب رفضه فأجابه الشيخ بصراحته المعروفة: إن الله تعالى يقول في كتابه الكريم: «لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار» (هود/113/).‏

ولما ترجمت هذه الآية للجنرال بيّو قال غاضباً: «هل نحن ظالمون ؟» فأجابه الشيخ بجرأة وشجاعة وقوة أعصاب: «لولا أنكم ظالمون لما جئتم إلى هذه البلاد وهذه فظائع جنودكم في القرى التي أحرقوها والجرائم التي ارتكبوها».‏

ويتحدث الدكتور عبد اللطيف اليونس في مذكراته فيقول: إن الحكومة السورية أقامت حفلاً برحيل آخر جندي فرنسي في ذلك اليوم.. فألقى هو كلمة الشيخ صالح العلي وقوبلت بالتصفيق الحاد.. وكان الشيخ المجاهد موجوداً في الاحتفال تقديراً لكفاحه وإكباراً لجهاده هو ورجاله الأشاوس طوال اثنين وأربعين شهراً دون انقطاع..‏

فقام رئيس الجمهورية السورية شكري القوتلي من مقعده وتقدم نحو الشيخ المجاهد ليصافحه ويعانقه وسط تصفيق الجمهور المحتشد.‏

إن هذه الثورة أفشلت أكبر مؤامرة استعمارية فرنسية وانكليزية، إذ إن المستعمرين كانوا يريدون تقسيم سورية إلى دويلات متعددة في الداخل في دمشق وحلب ودير الزور وكانوا يريدون إقامة ثلاث دول طائفية على الساحل المتوسطي.‏

وقد جاء الشيخ صالح العلي بإلحاحه في ثورته على وحدة الساحل السوري مع الداخل ورفضه المطلق لإقامة دولة منفصلة ثم ضرب عرض الحائط بجميع إغراءات ووعود الفرنسيين بالمناصب وأصرّ على وحدة سورية.‏

وتلقى الشيخ المجاهد من غاندي الزعيم الهندي الكبير رسالة تتحدث عن أطماع الغرب في المشرق ويقول عنها المطلعون إنها كتبت بلغتين إحداهما اللغة العربية وفيها يقول: «إن الغربي النهم يفغر فاه ليلتهم الشرق أجمع.. فمدّ يدك أبايعك على أني في الشرق الأقصى كما أنت في الشرق الأدنى لكبح جماح الغرب».‏

ثم جاء الأجل المحتوم بعد مرض عضال، حاول أركان الدولة السورية ورئيسها هاشم الأتاسي معالجته وجلبوا له أفضل الأطباء العرب والأجانب ولكن لا حيلة مع الموت.. وتوفي الشيخ صالح العلي في 13 نيسان 1950 بعد عمر قضاه في الجهاد والصلاة وقراءة القرآن والتعمق بدراسة حياة النبي العربي وآل بيته الأطهار وصحابته الأبرار وفي كتابة الشعر العرفاني الصوفي في توحيد الخالق للأديان.‏

تحية لهذا المجاهد الشيخ صالح العلي وتحية لكل رفاقه الأبطال المجاهدين على امتداد ساحة الوطن، والذين كان لهم الفضل الأكبر في جلاء المستعمر الفرنسي عن ارض الوطن.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية