|
الصفحة الاولى وبعد الاختطاف كان الافظع منه وهو الترويج « لتحريرهم « خلال الساعات التي سبقت التوقيت المحدد للاحتفال بعيد المقاومة والتحرير ترويج تم عبر مواقف اتخذتها الجهات التي تعتبر نفسها مؤثرة في الملف والتي تنافست في «إسداء خدماتها» للابلاغ عن التحرير والمساعدة في نقل المخطوفين لاعادتهم الى لبنان، ولكن لم يطل الامر حتى تبين ان الابلاغ كاذب او متسرع او انه واقع في سياق خطة جديدة, وان هناك مسائل مخفية وعوائق تمنع الاطلاق وتطرح الاسئلة حول سبب الاختطاف واهدافه وخلفيته اولاً ثم خلفية «تلفيق خبر التحرير» وما رافقها وتلاها.؟ أ-ونبدأ في الاهداف حيث يبدو ان من امر بالخطف قصد تحقيق هدف او اكثر مما يلي : 1) التغطية على ارتكابات الجماعات التكفيرية و»تيار مستقبل الحريري « وجماعاتهم المسلحة التي اعلنت كفرها بالدولة اللبنانية وبجيشها ودعت الى اخراج الجيش من الشمال اللبناني لتحويله الى منطقة Hمنة للارهاب ضد سورية (تنفيذا لاوامر اميركية) . وقد كانت الارتكابات الحريرية مناقضة لكل ما زعموه من حرص على الدولة والجيش ودعوة الاخرين للعبور الى الدولة وغيرها من المزاعم التي سقطت مع قيامهم بقطع الطرق والاعتداء المسلح على الجيش وعلى الآمنين في بيوتهم ومراكزهم الحزبية. لقد كانت الايام الثلاثة من 18 الى 21 ايار فضيحة مدوية لهم, ويبدو انهم شاؤوا احداثاً ما يوازيها عبر خطف لبنانيين ودفع ذويهم لممارسات مشابهة فيتعادل الفريقان في نهج الانفلات والفوضى والخروج على الدولة وقانونها. 2)-دفع الفئات اللبنانية التي ينتمي المخطوفون اليها الى خطف سوريين في لبنان ودفعهم الى مواجهة مع الشعب السوري. وهنا تبدو النية الخبيثة التي هدفت الى وضع تلك الفئات الداعية الى السير بالنهج الاصلاحي الذي يعمل به الرئيس الأسد مع رفضها لعمليات القتل والارهاب الجارية في سورية الان تحت مسمى « ثورة «, كانوا يريدون اظهار جمهور المقاومة في لبنان بانه مع «الحاكم وضد الشعب السوري «وهو تحريف للحقيقة لان المقاومة وجمهورها هم مع الشعب السوري الذي يتمسك باكثريته المطلقة – كما اثبتت الاستطلاعات واكدت الانتخابات الاخيرة –بالحركة الاصلاحية التي بدأت. 3)-توجيه رسالة للبنانيين من جمهور المقاومة بان سورية غير آمنة لهم, بل اكثر من ذلك حملهم على الاعتراف بالجهات المتمردة والخارجة على القانون للتنسيق معها اذا ارادوا زيارة سورية او المرور فيها ما يعني حملهم على الاعتراف بهذا التمرد والتنكر للدولة السورية الشرعية وقد كان صريحا احد الناطقين باسم العصابة المسلحة التي خطفت اللبنانيين بطلبه هذا. ب- لكن ردة الفعل اللبنانية وتحديداً ردة فعل الجهات المستهدفة بالخطف كانت خلافا لما تمنى المجرمون, ردة فعل اجهضت احلامهم وخطتهم وتجلت في: 1) ضبط قيادي لبناني للشارع, وانضباط جماهيري مع التزام بتوجيهات القيادة واللجوء الى التعبير عن الاستنكار والادانة للفعل الشنيع المدان المتمثل بالخطف, عبر الاعتصامات والتجمعات الحضارية التي لا تؤذي احداً فلم تقطع الطرقات ولم تنتهك الحرمات, بل اكثر من ذلك ادى النهج الحضاري هذا الى فتح الباب امام كل فئات وشرائح الشعب اللبناني للتضامن فاجهض الهدف الاول. 2) امتناع تلقائي من الجمهور وتوجيهي من القيادات, امتناع عن المس باي سوري في لبنان واعتبار اي فعل من هذا القبيل بمثابة المحرمات التي لا تغتفر. وكان للانضباط هنا كما في مسألة انضباط الشارع فعل الصاعقة على مخططي الخطف. 3) اما في الهدف الثالث فقد جاءت الاجابة قاطعة بان المقاومة لا تتخذ مواقف مصلحية, ولا تسير بالمنطق النفعي البراغماتي, بل انها مقاومة قائمة على مبادئ وثوابت لا يغير فيها تهديد او اعتداء, وانها مقاومة تحفظ المبادئ حتى ولوكان الثمن الشهادة. ومن يراهن على تغيير في مواقفها من العدوان القائم على سورية اليوم, فانه واهم ورهانه خاسر بكل تأكيد.وهنا كان الاجهاض للهدف الثالث ايضا (طبعا كان هناك خبث ايضا في هذا الامر حيث رمى الخاطفون الى وضع المقاومة بوجه جمهورها من باب انها رفضت الاستجابة للخاطفين وفرطت بالمخطوفين لكن وعي جمهور المقاومة كان اكبر من رهان الخاطفين). ج- ولأن الاهداف الاساسية لخطة الخطف اجهضت, فقد عمد الخاطف الى خطة بديلة كما يبدو، خطة يكون من شأنها تعويض الخسائر او تعطيل مفاعيل النجاح المذهل للمقاومة وجمهورها في اجهاضها لكل اهداف الخطف, ومن اجل ذلك كات الخطة –الخديعة التي شارك فيها مسؤولون اساسيون في هذه الدولة او تلك كما شاركت فيها احزاب وتنظيمات لبنانية وغير لبنانية. وتم اختيار التوقيت لتنفيذ الخطة السمجة – الصبيانية تلك في ساعات الاحتفال المركزي بعيد المقاومة والتحرير في بنت جبيل الذي نظمه حزب الله.ولكن لم يكن حال الخطة البديلة احسن من حال الاساسية من حيث النتائج والدلالات حيث نسجل في ذلك ما يلي: 1) صحيح ان لبنان ومسؤوليه شغلوا بالتحضير لاستقبال «المفترض انهم حرروا «, لكن هذا لم يؤثر على الاحتفال بعيد المقاومة والتحرير ولم يشوش عليه. 2) صحيح ان ذوي المخطوفين اصيبوا بالاحباط نتيجة الخديعة التي اطلقت وتمثلت بادعاء تحرير المخطوفين, لكن احباطهم لم يفقدهم انضباطهم بل استمروا متمسكين به وامتنعوا عن قطع الطرقات او الاعتداء على اي احد من المقيمين في لبنان لبنانيا كان ام غير لبناني. 3) صحيح ان قيادة المقاومة والقيادات اللبنانية الاخرى من رسمية او حزبية توجهت بالشكر الى تركيا واشخاص في 14 آذار على جهودهم في « التحرير المفترض « للمخطوفين,ولكنها لم تغيب الدور السوري وشكر القيادة السورية اولاً خلافاً لما رغب مخطط الخطف من حمل المقاومة على موقف يخالف مبادئها. واذا رغب سيئو النية بوصف شكر من لا يستحق الشكر من 14 آذار بانه تسرع وسعى الى تودد ومصالحة, فالرد المنطقي يحسم بان مواقف الشكر هذه تسجل لمصلحة الشاكرين وليس لمصلحة المشكورين إلا اذا استحقوها بنتائج الفعل. د. اما على الاتجاه المقابل فان الخطة البديلة اظهرت من العيوب والثغرات في جبهة الخاطفين وقياداتهم فوق ما يمكنهم اخفاؤه او تبريره ونسجل في هذا السياق: 1) فضحت حجم الارباك والتخبط على جبهة الخاطفين ميدانيا, وعلى جبهة مرجعياتهم سياسياً ما يطرح السؤال:اذا كان هؤلاء لا يستطيعون التعامل مع قضية جزئية بحجم خطف 11 مدنياً فكيف يمكنهم التعامل مع المسألة الكبرى والاساس وهي القرار بمصير سورية وحكمها وموقعها, خاصة بعد ما آل اليه من مصير « المجلس الصنيعة في استنبول « والذي اعتبره الغرب ممثلاً للمعارضة وللشعب السوري وبات بعد التناحر والانشقاقات فيه لا وزن له ولا اعتبار؟! 2) فضحت تركيا التي باتت من غير شك في موقع غير الذي تشتهي وهي الآن لا تستطيع ان تتنصل من مسؤوليتها الكاملة عن الخطف اولا وعن تصرفات الخاطفين وسلامة المخطوفين وتحريرهم ثانيا, وهم ورغم كل اللغط الذي تناول مواقعهم وانتقالاتهم, فانه من المؤكد انهم نقلوا اليها بعد ساعات على عملية اختطافهم. وبالتالي فان تركيا تعتبر كدولة هي المسؤولة الاولى عن الموضوع واذا اعتمد التصنيف القانوني لعملية الخطف باعتبارها ارهاباً, فيكون من حق الباحث الموضوعي ان يسأل اميركا عن تحالفها مع من يرعى الارهاب؟ أم إن السؤال لا يضيرها وهي في العمق والحقيقة من صنع الارهاب ومنظماته الاخطر؟ 3) فضحت مجمل منظومة العدوان على سورية والتي يتناحر اعضاؤها في كسب هنا او هناك لكن نخشى مع هذا التناحر بين التركي والقطري والسعودي حول من هو الاول منهم في الساحة السورية, ان يدفع المخطوفون الابرياء ثمناً له رغم اننا نعلم بان ايذاءهم ان حصل فسيسجل في ذمة تركيا التي سترتكب حماقة كبرى ان مس المخطوفين اذى.ونرجو ألا تتكرر هنا مأساة خطف الامام الصدر في ليبيا. * أستاذ جامعي وباحث استراتيجي |
|