تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الوزير والوزارة

إضاءات
الإثنين 28-5-2012
د.خلف علي المفتاح

عند الحديث عن تشكيل وزارة جديدة تطرح العديد من الاسئلة في الشارع السوري،  ويكثر الحديث  عن أداء الحكومة  مجتمعة وكذلك الوزارات بشكل منفرد، ومهما تكن وجهات النظر التي يمكن سماعها على اختلافها وربما بتناقضاتها

في التقويم او التقييم ودرجة موضوعيتها وانطلاقها من معاييرعلمية وليست ذاتية او انطباعات عامة قد لا تصمد امام منطق التحليل المستند الى معايرة دقيقة، إلا ان المهم من وجهة نظرنا هو درجة ومستوى الفائدة المتحققة من ذلك في اطار تقويم أداء الوزارات  بالنظر الى برامجها وخططها وما تحقق منها فعلا على أرض الواقع ولاسيما في ظروف الازمة التي نعيشها بأبعادها الحقيقية مع الاخذ بعين الاعتبار الامكانات المادية والبشرية المتاحة لكل وزارة  ودرجة تناسبها مع المهام الموكلة اليها والاعباء التي تقع عليها، اضافة للصلاحيات الممنوحة للوزراء وفق الانظمة النافذة وطبيعة المناخ العام الذي يحكم ظروف العمل ودرجة الاستقلالية في ذلك.‏

ومن حيث المبدأ لابد من الاشارة الى أن نجاح  أي مؤسسة حكومية أو غيرهافي اداء وظيفتها يرتبط بمجموعة من العوامل  في مقدمتها قدرة القائمين على مفاصلها الاساسية في استثمار جميع الطاقات البشرية والمادية اي رأس المال الاجتماعي والمادي الى اقصى حد ممكن  وتحفيزه الى اعلى مستوى وخلق مناخ من التفاعل الايجابي والثقة  بين عناصر المؤسسة مع سيادة روح الفريق الواحد حقيقة لا قولا ما يجعل من المؤسسة عجينة منصهرة خلاقة ومبدعة تتحسس مسؤوليتها الوطنية وتعي طبيعة الدور والوظيفة الاجتماعية والوطنية الملقاة على عاتقها وانعكاسها على المجمل الكلي الوطني  .‏

ان الادارة الرشيدة والناجحة  تنطلق اساسا  من معايير الاختيار للموقع وموجباته وآلياته ودرجة اتساقهامع طبيعته وبنيته واهدافه، وهو ما يشكل من وجهة نظرنا الخطوة الصحيحة والاستراتيجية في طريق النجاح، وهنا لابد من الاشارة الى الدور السلبي الذي تلعبه بعض آليات الاختيار القائمة  على الاستنسابية الشخصية او الولاء والمنفعة دون اغفال ما تتركه الهوية الحزبية والسياسية للشخص المطلوب من أثر سلبي على عملية الاختيار وخاصة إذا ما تكرست سلوكاً عاماً لدى الجهات صاحبة الصلاحية في ذلك مع الاشارة الى أن ذلك لا يعني استبعاد  ذوي الانتماء السياسي أو الحزبي من إشغال الوظائف المتقدمة وإنما المراد به ألا تتقدم الهوية الحزبية على الكفاءة المهنية والمستوى العلمي إعمالاً لمبدأ تكافؤ الفرص ومفهوم المواطنة الحقة وسيادة القانون.‏

إن إدارة السلطة التنفيذية شيء وقيادة الدولة شيء آخر ففي الاولى تبرز العناصر والمقومات العلمية والمهارات الفنية، وفي الثانية الملامح القيادية وكاريزما القائد ولكل منهما وظيفته وموجباته وخصائصه ويصبح الأمر أكثر أهمية عندما تمر البلاد بازمات ومسارات حادة وتحولات تاريخية وهنا تبدو الحاجة ماسة للقائد الإداري اللانمطي القادر على خلق الفرصة لا انتظارها والتقاط اللحظة التاريخية قبل فواتها لأن الزمن   في الأزمات كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وما تمتلكه اليوم قد يمتلكك غداً، وهنا وفي هذا المقام يصبح الحديث عن قائد إداري لا نمطي وثيق الصلة بالقائد السياسي الفذ الذي يمتلك‏

رؤية وخيالاً سياسياً يمكنه من استباق الحدث لا انتظاره والمناورة يميناً ويساراً لا  التصرف كالدمى بردود الأفعال  .‏

ان الانجاز الذي تحققه أي مؤسسة ينتسب للقائمين عليها أفقياً وعمودياً وهو انجاز للوطن ولا شك أن لرأس الهرم الاداري الدور الاساسي في ذلك، وهنا تجدر الاشارة الى أن الانجازات هي كائنات حية مجسدة يعيشها ويلمسها الجميع وليست طواحين هواء أو عوالم افتراضيةو إنها كالكتاب يقرأ من  صفحاته الاولى لا من نهاياته، وهذا لا يلغي أهمية الخطط والمشاريع والرؤى المستقبلية ولكن لا يمكن لربان ذكي أن يبحر دون تحديد للمرافئ ومعرفة لاتجاهات الريح حتى لا يقعنَّ أحد في مطب التجريبية.‏

لقد استطاع شعبنا ومؤسساتنا الوطنية بتلاحمهما وعراقتهما تحقيق المزيد من الانجازات رغم كل الظروف التي نعيشها والمؤامرة الكونية الدنيئة التي حيكت ونفذت ضدنا، وهذا يجب أن يدفعنا الى المزيد من التضحية والاصرار على الانتصار وقهر الأعداء وهذا يتطلب منا افراداً ومؤسسات المزيد من العمل والابداع ونكران الذات وأن ننظر بثقة وتفاؤل الى المستقبل المشرق الذي عمل أعداء  الوطن على سرقته من أجيالنا المستقبلية، وسعوا لادخالنا في مربع الخوف واليأس والاحباط والتشرذم  وكان نصيبهم الفشل والخذلان والهزيمة.‏

إن حديثنا  عما  حققناه من نجاحات على أكثر من صعيد في الداخل لا يمنعنا من نقد الأداء وعدم تعاطي بعض مؤسسات الدولة مع ظروف الأزمة بما يستوجبه ذلك من جهد ومتابعة وحرص على تذليل الصعاب وحل مشاكل المواطنين ومعاناتهم في مناخات الازمة وتداعياتها على الاداء العام، وهنا يمكننا الاشارة الى تقصير في الأداء في أكثر من مفصل  حكومي جرياً على ثقافة التهرب من المسؤولية عند البعض  أو ترحيل المشاكل والتعليق على مشجب الأزمة.‏

إن النظر الى الأداء الحكومي راهناً بعين نقدية يضع القارئ الموضوعي أمام لوحة متعددة الألوان، وهنا يصبح المطلوب مستقبلاً أن نحافظ على المساحات الوردية في المشهد الحكومي  وأن نضيف لوناً جميلا آخر في المساحات الباهتة وهذه مسؤولية وطنية تقع على عاتق الجميع؟!‏

khalaf.almuftah@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية