|
إضاءات بهذه الكلمات أُختتمت زاوية الأسبوع الماضي التي حملت عنوان (اتحاد وصالات)، مع وعد بمتابعة الحديث الذي انطلق من المعرض الذي أقامه اتحاد التشكيليين السوريين لمقتنيات صالات العرض الخاصة، المنطلق هذه المرة من زيارة لوفد من قيادات الاتحاد لإيران، وبعض أهم المشاهدات في هذه الزيارة والانطباعات عنها. ففي مطلع آب (أغسطس) الماضي قام الوفد المؤلف من رؤساء فروع الاتحاد في المحافظات، وبعض أعضاء مكتبه التنفيذي، بزيارة ذات برنامج مكثف وثري تضمّن زيارة ثلاث مؤسسات فنية في العاصمة طهران هي: مركز الفنون البصرية للثورة الإسلامية، وكلية الفنون الجميلة، وبيت الفنانين (ستكون هناك عودة للحديث عنه بعد قليل). وكذلك زيارة عدد من المعالم التاريخية والحديثة مثل قصر الشاه، ومنزل الإمام الخميني، ومعرض (مقدم) وهو منزل تقليدي قديم تحول إلى متحف للتاريخ الإيراني، وبرج ساحة الحرية، وبرج ميلاد (سادس أعلى برج في العالم وقد شيّد بخبرات إيرانية)، ومقام الإمام الخميني، ومتحف الثورة الإسلامية والدفاع المقدس، وحديقة الماء والنار التي تتنزه فيها كل يوم آلاف العائلات، وجسر الرفاهية وهو مشروع تخرج إحدى طالبات جامعة طهران، ويضم مجموعة من المقاهي والمطاعم وطريق جميل للمتنزهين لا تصله السيارات يرتفع عالياً فوق طريق رئيسي بإطلالة رائعة. وحديقة (ميناتور) التي تضم مجسمات كبيرة لثلاثة عشر أثراً تاريخياً إيرانياً مسجلاً في (اليونسكو). وفي (أصفهان) تضمنت الزيارة كاتدرائية الأرمن ومتحفها، وجسر الـ 33 بوابة، ومتحف الأسماك (أكواريوم)، وحديقة الطيور، إضافة إلى الأسواق التاريخية في كلتا المدينتين وأهمها سوق أصفهان الأسطوري. في طهران وأصفهان على حد سواء كانت ثلاثة أشياء تصنع الانطباعات الأرسخ: النظافة والأناقة والجمال المصاغ من اتحاد سحر الطبيعة ووفرة المساحات الخضراء (هذه ليست مدن وإنما أبنية مشيدة وسط البساتين- وفق تعبير أحد أعضاء الوفد). مع سحر الإبداع الفني الذي يلاقي الزائر أينما نظر، على شكل لوحات جدارية فنية يمتزج فيها التراث العريق والحداثة المبتكرة، وتماثيل واقعية إلى حد الإدهاش، تمثل صوراً من المشاهدات اليومية للناس العاديين في سلوكهم الاعتيادي، كفتى يصلح دراجته، وقارئ يتقي المطر بمظلته، وعامل نظافة يكنس الشارع، وحتى شاب يلتقط صورة (سيلفي) بهاتفه. إضافة إلى تماثيل أعلام الثقافة الإيرانية كالفردوسي الذي يطل تمثاله على ساحة رئيسية تحمل اسمه، وفي أصفهان ينتصب في الشارع المواجه لمبنى للكاتدرائية تمثال كبير لمطران أرمني، أدخل المطبعة إلى إيران عام 1636. عودة إلى بيت الفنانين أحد الأماكن التي أثارت مشاعر متباينة، فهذا المبنى الأنيق المحاط بالحدائق وسط طهران كان مبنى لثكنة عسكرية قام المحافظ بتخصيصه للفنانين، وتكفل بإعادة تأهيله لمهمته الجديدة، حيث يضم سبع صالات عرض للفنون التشكيلية، وثلاثة مسارح من أهم مسارح العاصمة، وصالتي سينما احترافية تعرض فيها أربعة أفلام يومياً، وقاعة اجتماعات، ومكتبة، ومقصف، وركن لبيع الكتب والتذكارات الفنية والمشغولات التقليدية، ويستضيف بيت الفنانين كل عام ثمانين معرضاً لفنانين إيرانيين كبار، ولفنانين أجانب، ولفنانين إيرانيين شباب في تجاربهم الأولى، كما يستضيف مئة عرض مسرحي، ومئتي محاضرة، وخمسة عشر أسبوعاً ثقافياً أجنبياً، وكل ذلك في إطار رحب من الأناقة والنظافة وجمال العمارة الداخلية، وحين زيارة الوفد التشكيلي السوري كان بيت الفنانين يستضيف معرضاً للنحت المعاصر ممتداً على صالاته السبع، متضمناً تجارب تترجم مفاهيم فلسفية وجمالية معاصر، إلى جانب الأعمال الواقعية. بيت الفنانين على أهميته ليس إلا مظهراً واحداً عن التقدير الأصيل للإبداع الفني، والإدراك الواعي لدور الفن في تجميل المحيط والارتقاء بالذوق الفني والحسّ الجمالي لسكانه، وهو أمر يتطلب اعتماد رؤية ذوي الخبرة والاختصاص، وتوحيد المرجعية الفنية التي تقرر مظهر المدينة والأعمال التي تستحق أن تنصب في شوارعها وساحاتها، وتفعيل عمل اللجنة الموكلة بهذا. حينذاك فقط نستطيع أن نمنح مدننا وبلداتنا مظهراً حضارياً تستحقه، ونحررها من بعض الأعمال (الفنية)! التي تسيء إلى فننا بتراثه وحاضره، وتسيء قبل كل شيء إلى الرمز الذي تمثله. |
|