تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


منحوتـــــة الأزمـــــــان

ثقافة
الثلاثاء 1-10-2019
منال محمد يوسف

وما أجمل أن تنبت الأحجار حياةً.. وما أجمل أن تزهر جمالاً.. وتنبضُ لغةً من الجمال البهيّ, وتقاسيم من ألوان الفرح وتقاسيم من الفن الإبداعي, ذلك الفن الجماليّ الذي نشتاقُ إلى فلسفاته..

نشتاقُ إلى لغاته الزاهرة منحوتات تروي لنا روايات جميلة.. نشتاقُ إلى أحجارٍ تلين على يد النحاتين حيث يختصرون الجمال ربّما من خلال لوحة ما, يختصرون الروعة الأخاذة من خلال منحوتة جميلة..‏

هذه المنحوتة أوتلك قد تروي قصةً ما وحكاية تُجسّد الحضارة بجانب من جوانبها, وتطرق باب هذا الزمان وذاك.. وتحاول أن تجسّد شيئاً من ثقافته أومن حضارته ونطقها الإنساني المتميّز.. «نطقها الجمالي» الذي يختصر ثقافة النحت..‏

وما أجمل هذه الثقافة, وتلك المنحوتات التي تحمل ترجمانا من الأزمنة.. فكم من اللوحات كانت تختزل تواريخ وعناوين إنسانية.. وكم من اللوحات جسّدت حياة مميزة, أوربّما كانت تُجسّد حياة بلد..‏

حياة ستبقى ناطقة الجمال, ناطقة التعابير الصادقة, ناطقة الهويّة والانتماء.. وهي تحادث الأزمان, شاهقة بنطق مبدعيها حتى ولورحلوا.. فقط تبقى المنحوتات التي تنبض حياة .. تنبضُ عناوين خالدة تُجسّد حالات البهاء الإبداعي وما أجمله..‏

تجسّد صورة من يريد بالفعل أن ينحت بالصخر, ينحت أحجار هذا الزمان.. ينحت ما يمثّله أولاً..‏

وما يُمثّل آماله أوربّما «آمال وطن» نُحتَ اسمه على أحجارٍ كريمةٍ, أحجارٍ قد تحتاج إلى إزميل من نوعٍ آخر, تحتاج أزميل الوقت الإبداعيّ, لكي تبثُّ فيه الرُّوح من جديد, تبثُّ وكأنّها علامة نورٍ بعد ظلامٍ دامس, وكأنها حكاية الارتقاء التي لا تنتهي..‏

حكاية تختصر صور الجمال بأبهى معانيه.. وتبتدع صيرورة ً مُتجدّدة خالدة لا تعرف الانهزام.. لا تعرفُ فلسفات الانكفاء عند حربٍ ما أوأزمةٍ.. والنحت نوع من أنواع ثقافة عدم الانكفاء, ثقافة مُخاطبة أحجار الزمان أوبمعنى آخر مخاطبة «قسوة الأيام» ومحاولة تليينها بالقدر المستطاع..‏

أي تليين الشيء الذي نأمل أن يُحوّل إلى إبداعٍ ما.. نأمل أن نُهذّبه بلغة الجمال الباقية وبلغة الصورة المنحوتة بجماليات خاصة..‏

«الصورة المنحوتة أواللوحة المنحوتة» بشيءٍ آخر يومئ ويقول لنا: بأنّ الحياة تزهرُ بفضل مُبدعيها, وتلتحن أنغامها مع أزاميل وقتهم الإبداعيّ الذي يضيف إلى الشيء علامة أخرى.. أويُحاول أن يُضيف سحراٍ يرأبُ صدى الأيام.. أوصدى العجز الحاصل..‏

وإذ أنّنا نتحدث عن النحت اليوم فإننا نتحدث عن فنون النحت الجميلة إذ عرفنا كيف ننحت ذواتنا كسوريين على أحجار الزّمان أوبالمعنى الأصح على جدران الحياة, كيف ننحت روايات وقصصا أوجعت فينا الرُّوح حتى العمق.. أوجعتنا حتى نطق الحجر بحكايات لا تُهزم..‏

نطق بلغات تحادث ُ الصخور لغةً من الجمال.. «تُحادثها كأنها أوغاريت التي تنادي علينا» تنادي على الأحجار أن تنطق.. أن تنطق من خلال لغتنا, ومن خلال ما نرسمه نحن, أن تنطق بلغاتٍ لا تموت.. تحادثه حقيقة عظمة الإنجاز الأبهى..‏

تحادثُ حقيقة المنحى الإبداعي بفنه وعشقه التصويريّ الذي يتبع إليه..‏

وهنا يتبلور الهدف الأسمى من فلسفات النحت, فلسفات رسم الشيء الجميل وإيداعه شيئاٍ من أرواحنا.. إيداعه جمالاٍ آخر نحاول تجسيده بشكلٍ أوبآخر.. تجسيده في منحوتة تُمثّل حقيقة عشق كلّ منا لينحت ذاته أولاً.. والوجه المُشرق لشيء حضاري على مرّ الأزمان..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية