تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


غزة ... محرقة مستمرة وصمت دولي متواصل!!

شؤون سياسية
الاثنين 11-4-2011
حسن حسن

ما جرى وما يجري لغزة هذه الأيام ، استمرار لنكبة فلسطين منذ ثلاثة وستين عاماً على يد «إسرائيل» والغرب الاستعماري على نحو خاص : شكل من أشكال الإبادة الجماعية أو المحرقة .

وهذا أمر بديهي ، ولا حاجة إلى تكرار ما قاله البروفيسور ريتشارد فولك (مندوب الامم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة أوغيره لاثباته.‏

ويبدو أن «إسرائيل » تعاني الكثير من عدم قدرتها على القبول بالمتغيرات والتحولات التي حصلت وتحصل في هذا العالم عامة، والشرق الأوسط خاصة . فحكام «إسرائيل» اليوم يعلمون جيداً أن اجتياحهم لجنوب لبنان صيف 1982 ، ووصولهم إلى بيروت، واخراجهم عرفات و «منظمته» لم يكن أبداً انتصاراً ، كما أنهم لم يقطفوا ثماراً تستحق الذكر من معاهدة السلام التي تربطهم بمصر . ففي الحالتين ، برز إلى مواجهتهم من هم أكثر شراسة حيناً ، وأكثر واقعية وبراغماتية أحياناً أخرى .وانسحب جيش الاحتلال الإسرائيلي «طوعاً» مرتين ، مرة من جنوب لبنان عام 2000 و مرة من قطاع غزة عام 2005 وخسرت «إسرائيل» عملياً كل معاركها في مواجهة المقاومة الشعبية خلال اجتياحها الوحشي للضفة الغربية ، وحربها الهمجية على لبنان صيف 2006 وغزة 2008 ، وخسارتها هنا وهناك ، لا تقدر بالمقاييس العسكرية الكلاسيكية ، بل بتداعياتها الاقتصادية وأثرها النفسي في الرأي العام ، داخل «إسرائيل» وعلى الساحتين العربية والدولية ، الذي لم يعد مغفلاً مع وجود هذا الانتشار الكبير لوسائل الاتصالات والمعلوماتية الحديثة وهكذا تحاول «إسرائيل» ، أن تلعب لعبتها: شطب الدور السياسي للمقاومة - تغذية الانقسام الفلسطيني - المماطلة في الوصول إلى تسوية مع الفريق الفلسطيني المفاوض - استكمال مشاريع الاستيطان والتهويد وفرض الوقائع الميدانية، بحيث تفرغ العملية التفاوضية من أي مضمون ذي جدوى ، وتتحول إلى مجرد لقاءات عبثية ، تموت تدريجياً .‏

ويجب ألا يغيب عن الأذهان ، أن المقاومة هي العامل الرئيسي الذي أرغم «إسرائيل» على الاعتراف بالجانب الفلسطيني ، ممثلاً بمنظمة التحرير الفلسطينية ، وأن المقاومة وفعلها المؤثر هما العامل الأبرز الذي أقنع «إسرائيل» بالجلوس إلى طاولة المفاوضات ، وبالتالي ، كلما قويت الحالة الفلسطينية ، واستطاعت أن تضغط على العدو الإسرائيلي .وأن تكبده خسائر فادحة ثمناً لاحتلاله وعدوانه ونجحت في تعزيز عوامل الضغط للوصول إلى حل سياسي ، وكلما ضعفت الحالة الفلسطينية ، وفقدت قدرتها على التأثير في الحالة الإسرائيلية ، وفي إلحاق الخسائر في صفوف المحتلين والمستوطنين ،ازداد الموقف الإسرائيلي تعنتاً وتشدداً.‏

وكلنا يذكر كيف أن الولايات المتحدة بادرت إلى اطلاق مشروع ريغان للحل في المنطقة ، مستفيدة من نتائج الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 ، ومغادرة قيادة المقاومة بيروت. وبنظرة إلى مشروع ريغان ، نؤكد أنه كان أدنى بكثير حتى في الشق الفلسطيني في اتفاقيات«كامب ديفيد» بين القاهرة وتل أبيب .لقد قرأ ريغان في خروج المقاومة من بيروت ، هزيمة للمقاومة الفلسطينية ، فانطلق لقطف ثمار الهزيمة في مشروع للحل يستجيب للمصالح الإسرائيلية ويتجاهل المصالح الوطنية الفلسطينية . في المقابل ، كلنا يذكر كيف اضطرت «اسرائيل» للنزول عن الشجرة تحت ضغط الانتفاضة الأولى ، إذ صرح اسحاق رابين آنذاك وهو الجنرال المتباهي بقوة جيشه وقدرته على تكسير عظام شبان الانتفاضة ، أنه لا حل عسكرياً للانتفاضة، وأن الحل يجب أن يكون سياسياً في اعتراف غير مباشر ، ولكن صريح ، بضرورة التفاوض مع الفلسطينيين.‏

ومن هنا علينا أن ندرك جيداً أن العدو الاسرائيلي بآلته الحربية المعروفة ، ولن يستطيع الانتصار على المقاومة في القطاع ، حتى وإن استطاع أن يلحق خسائر كبيرة في صفوف المدنيين ، فكسر المقاومة وشل قدرتها على العمل ، أمر مستحيل، ما دامت المقاومة عملاً شعبياً تقوده وتمارسه فصائل مسلحة ذات امتدادات داخل غزة وخارجها . ونعتقد أن العدو نفسه يدرك هذه الحقيقة ، وهو يعبر عن ادراكه هذا ، في تحركاته العسكرية الحذرة ، ولجوئه المفرط إلى استعمال سلاح الطيران .‏

ويهمنا أن نوضح أيضاً أن المقصود بالعملية التفاوضية، ليس هذه العملية العبثية والمختلة كلياً للجانب الإسرائيلي ، والمنفلتة من كل الضوابط ، وخاصة ضوابط الشرعية الدولية التي تنص على جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة ، وضرورة الانسحاب حتى حدود الرابع من حزيران 1967 ، بما في ذلك القدس الشرقية المحتلة ، وحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة كاملة السيادة ، خالية من كل أشكال الاحتلال والاستيطان، وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم.‏

وإذا كان من حديث عن ضمانات ، فالفلسطينيون هم من يحتاج إلى هذه الضمانات ، والفلسطينيون هم من يحتاج إلى من يكفل لهم رد العدوان عنهم ، وفك الحصار ،ووضع حد لسياسة التجويع والقتل البطيء التي تمارسها سلطات الاحتلال بحقهم عندما يتوقف العدوان ، ولا بد أن يتوقف ، وعندما تخرج المقاومة صامدة ، لا بد للحالة الفلسطينية من أن تبحث لنفسها عن استراتيجية كفاحية ، تتزاوج فيها مع العملية السياسية ، بحيث تتفق أهداف المقاومة مع أهداف العملية السياسية وتخدمها ، وبحيث توفر العملية السياسية للمقاومة شروط صمودها‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية