تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


رغم الاحتجاجات ... الصراع العربي الإسرائيلي محوري

ترجمة
الاثنين 11-4-2011
ترجمة:دلال إبراهيم

ذهب ضحية عملية تفجير الحافلة في مدينة القدس امرأة وجرح 24 شخصاً. وهذا العدد ليس مرتفعاً مقارنة بالعمليات المشابهة التي شهدتها المدينة خلال العشرين عاماً المنصرمة.

قطنت في شارع حيفا لمدة أربع سنوات في منتصف أعوام التسعينيات، أي عندما كانت عمليات التفجير ضد الحافلات تتكرر باستمرار. وفي كل مرة كنت أخرج لأنظر إلى هيكل الحافلة المتفجر حيث يتصاعد منه الدخان إلى جانب الأذى الذي أصاب الطريق من شدة الانفجار.‏

والانفجار الأخير كان له وقعه أكثر من سابقيه، نظراً لأنه الأول الذي يحدث في القدس منذ سبعة أعوام. وجاء في لحظة يشهد فيها العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الضفة الغربية في قطاع غزة وما حولها تطوراً. ولم يكن يحدث لهذه العملية أي ارتدادات خطيرة لو لم تحدث في لحظة يشهد فيها المشهد السياسي في العالم العربي تبدلاً جذرياً لم يسبق له مثيل منذ نصف قرن.‏

لنفترض أن الثورات في الشرق الأوسط قد حدثت منذ خمسة أعوام، فإن إسرائيل لم يكن لها أن تضمن تراخي القادة العرب عندما شنت حربيها الأخيرتين على الفلسطينيين. وقد أحدثت الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان عام 2006 ردود فعل غاضبة لدى شعوب تلك المنطقة. ولكن ليس لتلك المسألة من أهمية، نظراً لأن البلدان المجاورة لإسرائيل يحكمها قادة كانوا يأملون سراً أن يتم القضاء على المقاومة اللبنانية أو شلها.‏

وقس على ذلك ما حدث في عملية (الرصاص المصبوب) ضد غزة، عندما صبت إسرائيل قنابلها وصواريخها الجوية والأرضية لمدة ثلاثة أسابيع على قطاع غزة. ما أسفر عن مقتل 1200 فلسطيني من جرائها، مقابل 13 إسرائيلياً. وطوال تلك العملية كان الرئيس المصري السابق يتعاون مع إسرائيل من خلال عزل قطاع غزة عن العالم الخارجي. ولم تكن التكلفة السياسية الذي دفعتها إسرائيل والولايات المتحدة عالية نظراً لأن الإدانات لتلك الحرب في الشارع العربي لا يعول عليها.‏

وهذا لن يتكرر تماماً وبنفس الطريقة. وليس مستغرباً أن المؤسسة الإسرائيلية راعها أن ترى مبارك يُخلع تدريجياً عن السلطة. وقد انتقد القادة الإسرائيليون الرئيس باراك أوباما لأنه لم يدعم بشكل فعال الرئيس المصري، مع العلم أن مصر لن تلغي اتفاقيات السلام مع إسرائيل، وإنما من الجائز أن تتصرف بمزيد من القوة مما كان عليه في الماضي تجاه الأعمال الإسرائيلية التي لا يوافق المصري العادي عليها.‏

وقد جرى استعراض للتكهنات السياسية السابقة حول نتائج الأعمال الإسرائيلية في الشرق الأوسط خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة. وقد دلت تلك التكهنات على أن دولاً مثل مصر لن تقف محايدة سياسياً لأنها كانت تحت سيطرة قادة منهارين ولا يتمتعون بشعبية ولم يبدوا سابقاً أي معارضة للإرادة الأميركية. وهذا يعني أن درجة هذا التغيير ليست معروفة بعد. كما أن النخب التي تخلصت من بن علي في تونس ومبارك في مصر وربما علي عبد الله صالح في اليمن يتصرفون وكأنهم واثقون من أن هذه التحركات الجماهيرية لن تتحول إلى ثورات حقيقية. والولايات المتحدة تسعى إلى حد كبير لتحقيق نفس الهدف، ولكنها غير واثقة أنها تستطيع تحقيقه في المستقبل في حال ظل تغاضيها عن الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية قائماً بشكل آلي. لأنها ستصطدم بواقع أشارت إليه استطلاعات رأي أجراها مركز بيو للأبحاث ( بنك أفكار أميركي ) في كل من تركيا ومصر والباكستان، البلدان الإسلامية الثلاثة إلى جانب المملكة العربية السعودية التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع أميركا وهي أن 17% من سكانها فقط ينظرون خيراً إلى السياسة الأميركية.‏

وعلى الدوام تسجل الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط توجهاً نحو حكومات لا تريد لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل. وفي ظل إدارة الرئيس بوش تفادى المحافظون الجدد المشكلة من خلال طمر رؤوسهم في الرمال. وتخيلوا أن إجراء انتخابات في العراق سوف يفرز حكومة مناسبة لهم.‏

وبعد مرور عام أفرزت انتخابات جرت مراقبتها بدقة في الضفة الغربية وقطاع غزة عن فوز حركة حماس بأغلبية كبيرة، الأمر الذي شكل صدمة لواشنطن. وفي تركيا شهدت الانتخابات المتتالية لحزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل تنحية العسكر، الذي نظم أربعة انقلابات خلال النصف الثاني من القرن الماضي والذي أصبح المصدر الأعلى لسلطة الدولة.‏

ولا بد أن الفلسطينيين ستصيبهم الصحوة العربية. حيث لم يستطع الزعيم ياسر عرفات إنشاء أكثر من بانتوستانات فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية في أعقاب التوقيع على اتفاقيات أوسلو، وذلك بسبب الضغوط الإسرائيلية المستمرة واستمرار عملية الاستيطان والعزلة الدولية المفروضة عليهم. وكذلك لأن شبه الدولة التي أقاموها تشبه دول العالم العربي من حيث النخب، ولذلك فقد اكتشف 70 ألف شخص فلسطيني يحملون السلاح وفي لحظة حاسمة أنهم عاجزون عن الدفاع عن أرضهم في وجه الاجتياحات الإسرائيلية المتعاقبة.‏

والسؤال: كيف سيؤثر ذلك على إسرائيل ؟ في البداية، وربما هذا ليس صحيحاً كثير من الدول العربية مازالت تتلمس طريقها في التحول نحو الديمقراطية. من جانبها يمكن أن تجد مصر نفسها وقد دخلت في صراعات داخلية خلال الأعوام المقبلة. وسوف يظهر بجلاء على المدى الطويل أن إسرائيل قد فاتتها فرصة سانحة ولم تبذل جهداً للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين خلال عقود في أعقاب التوقيع على معاهدة السلام مع مصر عام 1979. وبدلاً من ذلك اختارت إسرائيل استغلال تلك الفترة التي لم تعد تواجه فيها تهديداً عسكرياً على الجبهة المصرية لغزو لبنان في محاولة لفرض هيمنة تتوسع مع الوقت، لكنها فشلت في ذلك. تعتبر التحركات الجماهيرية الحالية علمانية بشكل أساسي، وتعتقد إسرائيل أن ذلك يعني سحب البساط من تحت قدمي حماس. وهذا لن يكون في مصلحة إسرائيل، لأنها دأبت مع وجود حماس وحزب الله على شيطنة المقاومة الفلسطينية ضد المحتل بكل سهولة. وتخشى إسرائيل أن أحزاباً مثل الإخوان المسلمين في مصر لن يصيبها الضعف لأن قادته تلعب لعبة التحالف مع المنظمات العلمانية.‏

لا يمكن أن نفهم الهجوم الذي وقع على الحافلة في القدس وازدياد العنف ضد قطاع غزة على نحو نرى فيه أنه سيجر إلى أزمة جديدة، بل هي دعوة لنتأكد أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا يزال محورياً في سياسة الشرق الأوسط. وليس ثمة دليل على أن القادة الإسرائيليين يمتلكون أفكاراً كثيرة حول كيفية التعامل مع دوامة السياسة الراهنة التي تعيد تشكيل المنطقة التي يعيشون فيها... والمواجهة بالنسبة لإسرائيل تبقى وسيلة تقود المنطقة إلى الصراع وإلى الحرب.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية