تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مهنة المستقبل ..كيف يختارونها

شباب
11 / 4/ 2011
كامل حسين

منذ الصغر تجول بخاطر كل منا، أمنيات وتطلعات حول المهنة التي سنكون عليها في الكبر، والكثير منا كان يحلم بأن يصبح طبيبا عظيما،

أو مدرسا، أو ضابط شرطة.. رويدا رويدا تغيرت هذه النظرة فأصبحنا نجد من يحلم بأن يصبح لاعب كرة مشهوراً، أو مصمماً أو إعلامياً بارزا، وما إلى ذلك من المهن التي استحدثت في زماننا، وما إن يصبح الشاب على وشك التخرج من المدرسة الثانوية، إلا ويجد نفسه مطالبا بان يحدد مجال دراسته بعناية ليكون قادرا على تحديد مجال تخصصه فيما بعد دراسته الجامعية، حيث تدل الكثير من الإحصائيات التي أجرتها مراكز الدراسات‏

أن أكثر من 40٪ من الشباب العربي لا يعملون بعد التخرج بما أخذوه من التعليم الأكاديمي، وذلك لأسباب كثيرة منها عدم تلقي الطلاب التوجيه الدراسي السليم لاختيار مهنة المستقبل بما يتناسب مع قدراتهم التعليمية وتحصيلهم وميولهم وظروفهم الشخصية.‏‏‏‏

فما المعايير التي تحدد مهنة المستقبل في عيون شباب اليوم؟ وكيف يختار الشاب مهنته اليوم؟ وما الخطط التي يجب أن يضعها الشباب لاختيار مهنة المستقبل؟‏‏‏‏‏

مواكبة الآباء لأحلام أبنائهم‏‏‏‏‏

---------------------------------‏‏‏‏‏

تقول أم أحمد: إن ما كنا نحلم به لأنفسنا ونحن طلبة لم يكن واقعيا، لأسباب كثيرة منها ما هو مجتمعي، ومنها ما هو تربوي ومنها ما هو تعليمي، فالمجتمع كان الغالب عليه هو احترام مهن معينة دون الأخرى، وهذا جعل اختيارات الشباب مركزا في الجهة التي تجلب القبول الاجتماعي، وفي مجتمعاتنا يقدسون مهنة الطب والهندسة، ولا أدري ما السبب، ولذلك كان سباقنا في الثانوية العامة للحصول على درجات تؤهلنا للالتحاق بإحدى الكليتين، وأذكر انه عندما لم أحصل على المجموع الكافي للالتحاق بأي من تلك الكليتين كانت الجموع تأتى إلينا لتعزيتنا في البيت، والتحقت على غير رضى بإحدى الكليات النظرية التي أتاحت لي الفرصة فيما بعد بعمل فكري مؤثر في المجتمع، حينها أدركت أن الله اختار لي الخير، فماذا كان لي أن أقدم إذا كنت طبيبة؟ وما هو الجديد؟ وكنت كلما رأيت رفيقاتي اللاتي عملن طبيبات أو صيدلانيات أو مهندسات، حمدت الله أنني خرجت عن دائرة العمل التقليدي، والنمط الروتيني، وحلقت في آفاق الإبداع والتأثير وصناعة الفكر والتاريخ!‏‏‏‏‏

أما أم آية فتقول: تغير نمط تفكير الآباء اليوم بصدد أحلامهم لأبنائهم بسبب ارتفاع الوعي، وبسبب التغير في التفكير الاقتصادي للمجتمع، والذي يعتمد على قياس المهارات والقدرة على العمل، وإثبات الذات في معترك السوق، فلم نعد نحلم لأبنائنا أن يحصلوا على 99 حتى ولو كانت إمكانياتهم لا تسمح بأكثر من 80 أو 70 ، وإنما أصبحنا نقيس إمكانيات ومهارات الابن منذ الطفولة.. ماذا يجيد؟ وفى أي شيء ينبغ؟ فمثلا ابنتي الكبرى تحب أعمال البيت وتتقن التفاعل مع الأطفال فقلت في نفسي إنه يلائمها كليات كرياض الأطفال أو الاقتصاد المنزلي، أو كليات الفنون، والصغيرة مولعة بالكمبيوتر والانترنت، فأرجح أنها يمكن أن تتخصص في علوم الحاسب الآلي، أما الابن الأصغر فهو يجيد قلب الأشياء ورصها كما ترص البضائع في السوق ويجيد طي الملابس وترتيبها، وأعتقد أنها مهارات تجارية أو ديكورية فيما يخص ديكورات الأماكن التجارية.. وهكذا خرجنا من عقدة الدكتور والمهندس.. المهم أن ينجحوا.‏‏‏‏‏

واقع مجتمعي ...‏‏‏‏‏

----------------------‏‏‏‏‏

في البداية أكد الدكتور غسان منصور دكتور في كلية التربية أن الواقع المجتمعي، ومتطلبات العصر هي التي تحدد نظرة الشباب إلى مهنة المستقبل، فنجد أنه في فترة من الفترات كان توجه الشباب لاختيار مهن الطب والهندسة أو الشرطة، ومع الانفتاح على العالم رويدا رويدا نجد أن الكثير من الشباب الآن يتجه إلى بعض مهن التصميمات والبرامج الخاصة بالكمبيوتر نظرا لحاجة المجتمع لها الآن، ولما أصبحت تمثله من وضع اجتماعي جذاب، ونجد أيضا الكثير من الشباب ينصرف تركيزه فيما نجح فيه من سبقوه ممن تخرجوا من كليات بعينها، أو التوجه إلى المهن الإعلامية، ولكنه أشار أيضا إلى انصراف العديد من الشباب إلى الوظائف الحكومية المعتادة بحجة أنه تأمين لمستقبله.‏‏‏‏‏

وأكد أنه لابد أن نطرح سؤالا واقعيا، هل تفكير الشباب الآن ينصب في العمل الوظيفي أم العمل الحر؟ فإذا كان الشباب الذي يحب الوظيفة وهو داخل الكلية، ونظر إلى أصحابه الذين تخرجوا، ووجدهم نجحوا فينتظر حتى ينهي أربع سنوات ويفاجأ بصدمة أن يكون الطلب عليه أصبح معدوما وأصبح الطلب على وظيفة جديدة. وأوضح الدكتور منصورأنه على الشباب لكي يحدد وظيفته بطريقة علمية عليه أن يحقق ثلاثة معايير وهي: "معادلة الأداء"، والتي تتمثل في "الرغبة، والقدرة، والمناخ"،.. وهي الرغبة في العمل والقدرة على هذا العمل والمناخ الملائم والفرصة المتاحة لهذا العمل.. والرغبة تتمثل في "دافع وحافز"، والدوافع تكون داخلية في الشخص الذي يبحث عن العمل والحوافز هي تلك المغريات في الوظيفة التي يتطلبها الشباب.‏‏‏‏‏

أما القدرة فهي المهارات المطلوبة للوظيفة والتي تتمثل في "مهارات أساسية، وشخصية، وفنية"، والمهارات الأساسية هي الأساسيات التي من المفترض أن تكون موجودة لدى الشباب، والمهارات الشخصية هي الحد الأدنى من المتطلبات عند الشباب "special skills"، أما المهارات الفنية فهي المهارات والقدرات الفنية المطلوبة للوظيفة.‏‏‏‏‏

أما المناخ.. فهو البحث عن نقطة البداية داخل الوظيفة فقد تكون وظيفة الدخول إليها صعب ولكن الارتقاء فيها سهل أو أن الدخول إليها سهل ولكن الارتقاء فيها صعب.. والمناخ يعتمد بالأساس على كل الظروف المحيطة.وينبغي على الشاب في نظرته إلى مهنة المستقبل أن يقيسها على هذه المعادلة، فإذا خير الشاب مثلا بين ثلاث وظائف كمندوب مبيعات أو مدرس أو صحفي فعليه أن يدرس الظروف المحيطة ويقيس قدراته ورغباته طبقا لمعادلة الأداء.‏‏‏‏‏

وأكد الدكتور منصور أنه على الشاب أن لا ينظر إلى من سبقوه، ولكن عليه أن ينظر إلى العالم كله ويبحث عن العلم والمهنة التي يحتاجها العالم في السنين المقبلة، وأكد أن هناك في الغرب تفكيراً استراتيجياً قوياً، طبقا لما سماه نظرية "الذكاء العاطفي"، والتي أشار من خلالها إلى إحصائية تؤكد أن 90٪ من الناجحين في الجانب العلمي والعملي في الغرب ، كانت بمهارات ليس لها علاقة بمجال الدراسة.‏‏‏‏‏

معايير متنوعة...‏‏‏‏‏

----------------------‏‏‏‏‏

من جانبه أكد الأستاذ محمد عبد الله باحث في التنمية البشرية أن المعايير التي يبني عليها الشاب مهنته في المستقبل تتنوع بحسب الحاجة لدى الشباب، فمنهم من يرى أنها تنصب في المعايير الاقتصادية والتي تدر عليه دخلا كبيرا، وبذلك ينصب تركيز الشاب عند تخرجه على ما يدر عليه دخلا كبيرا، أو منهم من يجد نفسه في وضع اجتماعي معين وبالتالي يرغب في الوظائف الدبلوماسية أو التي تلبي احتياجات نفسه، وصنف آخر يرى في نفسه القدرة على مواجهة الجمهور أو التحدث عنهم وبالتالي ينصب فكره على الوظائف التي تتمثل في الإعلام ومخاطبة الجماهير، إلا أنه أكد على ضرورة التخطيط لكل هذا مبكرا من قبل دخول الجامعة وهو ما يضع على عاتق الأهل مسؤولية كبيرة في توجيه أبنائهم، دون تدخل أو أمر بدراسة شيء محبب لهم لا للشاب قبيل اختيار دراسته الجامعية.‏‏‏‏‏

وأكد أن التخطيط للجامعة جزء مهم جدا من التخطيط لوظيفة المستقبل. فعلى الشاب أن يحدد ما الذي يريد أن "يتخصص" به ليقوم بممارسته في المستقبل بطريقة احترافية. فإذا نجح في التخطيط سيقوم بالأعمال بشكل احترافي، والتخطيط يأتي بتركيز الشاب على اهتماماته، ومهاراته، ومزاياه الشخصية، والهوايات، وماذا يحب أن يعمل، وما هي مادته المفضلة، ويحدد شخصيته بكل مصداقية، ومن ثم يقارنها بالوظائف المطلوبة في سوق العمل حالياً، وهل يتعارض سوق العمل مع الميول الشخصية.‏‏‏‏‏

ومن هنا تكمن أهمية أن تقوم المؤسسات التعليمية والتربوية في سورية ومراكز الدراسات بتشكيل لجان مختصة لتوعية الشباب بما يحتاجه المجتمع السوري من تخصصات وعمل ورش عمل لتنمية مهارات الشباب وتنمية قدرته لجعله أكثر قدرة على اختيار مهنة المستقبل، لأنه من المعروف لدى العالم كله انه من لا يملك الشباب لا يملك مستقبلاً وخاصة وأن تخبط الشباب واحباطاته الكثيرة تؤدي إلى خلل في البناء المجتمعي.‏‏‏‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية