|
شباب ما الذي يصنع ثقافة الشباب الآن؟ وكيف يمكن لهم- أي الشباب- أن يعرفوا ما يفيدهم من بين حزم المعلومات الضخمة التي تبث على الشبكة العنكبوتية. تتشكل ثقافة الناس بشكل رئيسي من خلال الكتاب والتلفزيون والصحيفة والسينما والإنترنت والهاتف الخلوي وبعد سيطرة ثقافة الصورة تنحت ثقافة الورق بشكل كبير وأفسحت الطريق لأنواع الثقافة العصرية. لم يأخذ الشباب وقتهم في مناقشة قيمة الكتاب بل قاموا بهجرة عن طيب خاطر من دون أن يدركوا مخاطر ذلك ومن ثم اتجهوا إلى وسائل الترفيه شديدة الخطورة. ينشد القائمون على صناعة الترفيه والتسلية طرح مجموعة من الأفكار التي تبدو جادة للجيل الشاب فيما تكون مضامينها الحقيقية فارغة بهدف تشكيل واقع بديل لا يخدم سوى مصالح أصحاب تلك الأفكار. إن العبقرية التي يستخدمها الإعلام المرئي تجعل عدداً كبيراً من الجيل الشاب يصدق ما يقال وتصبح المادة المقدمة موثوقاً بها ومثالية وغير قابلة للحذف أو التشكيك فيها.
في كتابه حصار الثقافة يجلب مصطفى حجازي مثالاً عن علاقة الشباب بالإعلان المغري على الشاشة فيفول: البيبسي يركز مثلا إضافة إلى جمال الصورة واللون والإيقاع الذي يفتح الشهية ويثير الإحساس بالعطش والدافع إلى الشرب لإرواء هذا العطش إضافة إلى هذا البعد الفسيولوجي يركز أساساً على الشباب ومرح الشباب من هنا أصبح تعبير مشروب الشباب وبرزت منه تسمية الشباب الراهن عالميا باسم جيل البيبسي. إذا إن ثقافة التسليع هي ثقافة مهيمنة ويمكن الحد منها من خلال قيام المؤسسات المعنية بالثقافة بتقديم بديل نبيل وسامٍ ويشكل في محصلته الجوهر الحقيقي للذات الإنسانية ومع ذلك فإن الإعلام الإ لكتروني يحقق- إذا أحسن استخدامه تقدماً على مستوى تراكم المعلومة إذ يوفر على الجيل الشاب وقتاً في انتظار الخبرة الحياتية. الشباب هم أكثر الناس تحولاً وتقبلاً للتغيرات ولذلك فهم أكثر الفئات العمرية التي يجب التركيز عليها ومعرفة طموحاتها وتطلعاتها وهذا لا يأتي إلا بالتواصل الشديد معهم. الجيل الشاب يشكل نسبة الغالبية من مجموع السكان في مجتمعاتنا العربية وهذا الجيل هو الذي يرسم ملامح المستقبل ولكن هل يكفي أن يتقوقع الشباب في خانة التكنولوجيا وهي تضخ معلوماتها بدفق لا يرحم؟ وأين موقع الكتاب في حياة الشباب؟ هناك تقصير كبير في مناهج التدريس وتقصير في توجيه الشباب الى القراءة التي تجعلهم فاعلين في مجتمعاتهم، نحن بحاجة إلى فلسفة تعليم جديدة وفلسفة حوار طازجة تدفع الشباب الى الشعور بأن وزنهم في الحراك الاجتماعي كبير ما يعزز ثقتهم بنفسهم ويحفزهم على الفعل الصحيح. تحقق القراءة اطلاعاً واسعاً على تجارب الشعوب وتشكل رافداً مهما لتشكل الشخصية وعليه فإنه أحد المعايير الرئيسية لقياس رقي الانسان وإن العزوف عن القراءة يهدد البناء العقلي والنفسي للشباب الطامح إلى المعرفة وإلى مستقبل أفضل ولذا يجب على المؤسسات المعنية بالكتاب القيام بدور أكبر مما كانت تقوم به في السابق أي قبل أن تنفتح نوافذ العالم الإلكتروني أو قبل أن تدق العولمة الأبواب وتقتحم حياتنا برمتها.
يقدم التلفزيون صورة جاهزة لذلك فهو لا يحفز الذهن على تشكيل الصور الجديدة ولا يدفع الى التخيل والابتكار إذاً فهو يحد من عملية التفكير على عكس القراءة التي تدفع القارئ إلى القيام بعملية التخيل وخلق صور ذهنية تقود عملية التفكير إلى الأمام، وكذلك لاتقدم ساحة الانترنت ثقافة متينة إذ تدل الدراسات على أن المعلومة التي يتلقاها الإنسان عن طريق الشاشة لا تبقى في الذهن لأكثر من 15 دقيقة ويعني هذا أن تلك الثقافة سريعة الزوال ولا تكون ركيزة لبناء هرمي. الكتاب هو المضمون الفكري العميق أما الصورة بأشكالها المتعددة فلا تتعدى كونها شكلاً من أشكال التلقي السهل وقليل الفائدة. في قراءته الجميلة عن مائة عام من العزلة، يقول ألبرتو مانغويل: في رأيي إن الكلمات على الورق تجعل الكون متناسقا فعندما أصيب أهالي ماكوندو ذات يوم أثناء عزلتهم لمائة عام بمرض يشبه فقدان الذاكرة تنبهوا إلى أن معرفة العالم بدأت تتبخر وأنهم باتوا معرضين لنسيان ما تكون البقرة وما تكون الشجرة وما يكون البيت وكان أن اكتشفوا بأن طوق النجاة كامن في الكلمات وكي يتذكروا ما تدل عليه دنياهم قاموا بكتابة لوحات علقوها على أبواب الأشياء: هذه شجرة ، هذا بيت، هذه بقرة وتعطي حليباً متى مزج مع القهوة أعطى القهوة بالحليب. |
|