تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أبيي.. في قلب الخلاف بين شمال السودان وجنوبه

شؤون سياسية
الأثنين 28-2-2011م
بقلم : توفيق المديني 

بعد انفصال جنوب السودان لاتزال قضايا الخلاف الرئيسة قائمة بين الدولة السودانية في الشمال ودولة جنوب السودان الوليدة لاسيما حول قضية أبيي فما هو جوهر هذه القضية؟

تعتبر منطقة أبيي موطن قبيلة (الدينكا) كما أنها كانت مثال التعايش السلمي لكل السودانيين كما ينتمي إليها السياسي الدكتور (فرانسيس دنيق) وكان والده السلطان (دنيق ماجوك) هو زعيم قبيلة (الدينكا) إلا أنه بعد انهيار اتفاقية أديس أبابا سنة 1972 طالب أهل المنطقة بانضمامهم إلى الجنوب وكان على رأس المطالبين الدكتور (فرانسيس دنيق) ولقد كان من دعاة التعايش السلمي مع كافة قوميات السودان وكان (دنيق) مقرباً من الرئيس (جعفر نميري).‏

ومنطقة أبيي لها ظروف خاصة ومن هذه الظروف موقف البريطانيين الذين خيروا هذه القبيلة بين الانضمام إلى مديريات الجنوب الثلاث أو البقاء في الجانب الشمالي إلا أن أهل المنطقة قد اختاروا البقاء في الجانب الشمالي، وكان ذلك على لسان (دنيق مجدك) وبالرغم من إبداء الرغبة في ذلك قام البريطانيون ومنحوا سكان هذه المنطقة حق إجراء استفتاء شعبي يتم خلال سنوات بعد الاستقلال يقررون فيه البقاء ضمن الإطار الشمالي أو الانضمام إلى المحافظات الجنوبية ولكن لم يجر الاستفتاء بسبب الانقلاب الذي قام به الفريق (إبراهيم عبود) عام 1958 حيث تم التوجه السياسي لسودان واحد حينها؟‏

ولما كانت منطقة أبيي غنية بالنفط وتنتج 500 ألف برميل وتمثل 5٪ من نفط السودان فقد استثنتها اتفاقية نيفاشا التي وقعت سنة 2005 واضعة لها بروتوكولا خاصا كجنوب النيل الأزرق وجبال النوبة، وتقطن أبيي قبيلة المسيرية وهي قبائل عربية متمازجة مع القبائل غير العربية في هذه المنطقة ويرجع تاريخ قبائل المسيرية في هذه المنطقة إلى أزمان ساحقة..‏

ويبلغ سكان قبيلة المسيرية 30٪ وقبيلة الدينكا نقوك وسكانها 70٪ وتاريخيا احتمت قبيلة الدينكا بالمسيرية واستقروا في المنطقة واختلطوا بأهلها ولم تحسم الاتفاقية وضعها حيث نصت على تشكيل لجنة من الخبراء الدوليين لتقرير تبعيتها للشمال أو الجنوب.‏

لقد أمرت اتفاقية نيفاشا بإنشاء «مفوضية حدود أبيي» لتقوم بتحديد منطقة سكن مشيخات دينكا - نقوك التسع التي تم نقلها في 1950 إلى مديرية كردفان . وأصبحت مساحة منطقة آبيي 10460 كلم مربعاً بحسب قرار لاهاي (22 تموز 2009) واختلف الشريكان ومن يناصرهما محلياً على قبول تقرير مفوضية حدود أبيي: المؤتمر الوطني وقبيلة المسيرية يرفضانه ، والحركة الشعبية وقبيلة دينكا- نقوك توافقان عليه ، كما يختلف المجتمعان المحليان حول ترسيم حدود منطقة أبيي ، بحسب قرار محكمة لاهاي .‏

ومن الاختلافات أيضاً«الازدواجية في مسميات المستويات الإدارية فإلى جانب اختلاف الشريكين حول حدود أبيي التي حددها تقرير المفوضية بـ 18626 كلم مربعاً في العام 2009 ، يتسبب تباين موقف المسيرية والدينكا حول ترسيم حدود محكمة لاهاي في إرباك يخل بمعنى ومضمون وصف منطقة آبيي: محلية آبيي (32 ألف كلم مربع) ، أما منطقة آبيي -بحدود تقرير المفوضية بـ 18626 كلم مربعاً ،أما منطقة آبيي بحدود محكمة لاهاي 10460كلم مربعاً ،أما منطقة آبيي المحررة آبيي كاونتي ، غير المعروفة المساحة بحسب وصف الحركة الشعبية .‏

وفي ظل الاختلاف هذا حول تقرير مفوضية حدود آبيي ،لجأ شريكا الحكم في السودان إلى المحكمة الدولية الدائمة للتحكيم في لاهاي للفصل بينهما بقرار ملزم لهما وللدولة ، ويقضي بترسيم حدود منطقة آبيي .‏

وأعلنت محكمة لاهاي قرارها التحكيمي النهائي، والملزم في تموز 2009م يومها ، أعلن المؤتمر الوطني والحركة الشعبية قبول تحكيم لاهاي ، ووعداً بتنفيذه، بوصفهما الجهتين المناط بهما التنفيذ . قبل ممثلو دينكا- نقوك قرار التحكيم ،وطالبوا الشريك بتنفيذه فوراً ، ورفضت المسيرية قرار التحكيم شكلاً ومضموناً ورفضوا ترسيم حدود منطقة آبيي في ضوء قرار التحكيم ، مالم يتم أولاً اكتمال ترسيم حدود 1-1-1956، واشترطوا مطالبين حكومة السودان ، في حال ترسيم حدود استقلال السودان في العام 1956 بتعويضهم مالياً عما يعتبرونه أرضهم التي أعطتها الحكومة لدينكا - نقوك .‏

ويكمن أخطر مافي الأمر في أمن المسيرية طالبوا بمايرونه حقاً كاملاً في المشاركة في إجراءات الاستفتاء الخاص بمنطقة آبيي ،وإلا فإنهم سيرفعون السلاح في وجه من يمنعهم من ممارسة هذا الحق .‏

تعتبر آبيي المنطقة المؤهلة أكثر من التخوم الحدودية الأخرى بين الشمال والجنوب لأداء دور معبر التلاحم الوطني بين الإقليمين ، هذه فضيلة تكتسبها المنطقة بفعل تراكم التداخل القبلي وتشابك المصالح بين قبائلها حد الاشتباك المسلح، ومن المعروف عن آبيي أنها تتسم بالتمازج الإثني حد المصاهرة والتلاحم القبلي درجة المصادمة.‏

فاللجوء إلى التحكيم الدولي يشكل إخفاقاً إزاء استيعاب دروس تصدير القضايا الوطنية إلى الخارج ، إذ أرضى قضاة التحكيم الدولي حزب المؤتمر باجتزاء حقل هجليج النفطي خارج منطقة أبيي .‏

نفط هجليج لن يؤمن حاجة 5 ملايين رأس من الأبقار للكلأ والماء خمسة شهور من العام.‏

مادام المسيرية يحتاجون إلى تفاهم مع الدينكا نقول : بغية الحصول على المرعى والسقي فماجدوى التحكيم الدولي بالنسبة للرعاة؟‏

فالاحتياط النفطي المخزون في هجليج لايتجاوز 500 مليون برميل في الأصل.‏

وفقاً لحسابات الانتاج فقد تم استنزاف نصف رصيد الحقل ماتبقى لا يعتد به في الرهان على تعويض المسيرية والعجايرة.‏

عائدات نفط أبيي في السنوات الخمس الأخيرة توازي ملياري دولار إلا قليلاً . ماذا كان نصيب الدينكا والمسيرية منها لإزالة مظاهر التهميش؟‏

 كاتب تونسي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية