تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الحدث المصري.. وآفاقه المستقبلية

شؤون سياسية
الأثنين 28-2-2011م
د. صياح عزام

بات من الواضح أن ما حدث في مصر مؤخراً أثار اهتمام عواصم العالم حيث استطاع الشعب العربي في مصر أن يسقط حكم حسني مبارك بعد أن مضى 30 سنة في الحكم حافظ خلالها على معاهدة كامب ديفيد.

لقد سكت مبارك على مجازر اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وخاصة في الحرب على غزة حتى أن لجان تحقيق دولية أكدت ارتكاب تلك المجازر واستخدام الأسلحة الفوسفورية الحارقة ضد الفلسطينيين وقتل نساء وأطفال أبرياء ومع ذلك بقي ساكتاً ولم يكتف بذلك بل ساهم في فرض وإحكام الحصار على قطاع غزة وكان قد سكت على احتلال الولايات المتحدة للعراق وجعل من مصر كأنها ليست دولة عربية فلم تعد في عهده مصر جمال عبد الناصر ولا مصر أحمد عرابي ولا مصر العروبة التي ساعدت العديد من الأقطار العربية التي قامت فيها ثورات وطنية.‏

كل هذا أدى إلى هذا السقوط المدوي لنظام مبارك والأدهى من كل ذلك أنه بقي يداور ويناور للالتفاف على الانتفاضة متمسكاً بالرئاسة كما يتمسك الرئيس الزائيري الذي فشل في الانتخابات ولم يترك كرسي الرئاسة رغم هذا الفشل، وقد أدى تمسك مبارك بالرئاسة إلى استشهاد أكثر من 300 مواطن مصري وجرح الآلاف ولكنه في نهاية المطاف خرج وتنحى وهكذا يمكن القول بأن سقوط الرئيس المصري لم يكن فقط بسبب الفساد وافقار الشعب المصري بل له أبعاده الوطنية والقومية والعربية وبالتالي فإن انتفاضة مصر الأخيرة والتي تكللت بالنصر لها عمقها القومي، وإن كان هذا البعد لم يظهر أو لم يعبر عنه في التظاهرات الأخيرة بلافتات وهتافات واضحة.‏

بعد نجاح انتفاضة الشعب العربي في مصر وتنحية مبارك «وليس تنحية» كما تردد بعض وسائل الإعلام المتعاطفة معه سيحدث في المنطقة تغيير كبير في الجغرافية السياسية وفي ميزان القوى في الشرق الأوسط بأسره فلن تكون القاهرة بعد هذه الانتفاضة مغلقة في وجه من يطالبون بحقوقهم المشروعة وبأرضهم الممثلة وكامب ديفييد التي احتضنها مبارك ودافع عنها حتى الرمق الأخير وشرعنها ورسخ جذورها ستهتز في الصميم اليوم أو غداً.‏

إننا لا نبالغ إذا قلنا بأن انتفاضة مصر ستفتح الباب واسعاً لتغيير كبير في الوطن العربي ولصالح العرب والعروبة بعد زوال نظام حسني مبارك، صحيح أن المجلس العسكري الأعلى في مصر قد أعلن التزام مصر بالاتفاقيات الدولية التي وقعتها ولكن مثل هذا الإعلان قد يكون له مايبرره في هذه الظروف بالذات وريثما تتمكن الانتفاضة من ترسيخ جذورها وريثما تستعيد مصر توازنها الذي اهتز وتأثر قليلاً جراء ما حصل في ضوء تمسك مبارك بالسلطة من خسائر بشرية ومادية ضخمة وبالتأكيد لن تكون مصر بعد الأن هي مصر في ظل حكم مبارك.‏

وإذا ما جئنا إلى القلق الأميركي والإسرائيلي ومخاوف واشنطن وتل أبيب من الانتفاضة المصرية نجد أن الإدارة الأميركية تعاملت مع الوضع الجديد في مصر والأحداث التي حصلت فيها بأساليب ملتوية حيث أرادت فقط تغيير وجوه في النظام المصري مع إبقاء هذا النظام متماسكاً وقوياً يلتزم بأوامر وتوجيهات واشنطن مع إظهاره بأنه تجاوب مع بعض مطالب الشارع المصري، وبالتالي يتم استيعاب التمرد الشعبي داخل مصر ولكن الذي حصل أن النظام رحل وحصل التغيير الجذري الذي أراده الشعب وهذا ما كانت تخشاه الولايات المتحدة.‏

أما على الصعيد الإسرائيلي فقد كان القلق على نظام مبارك واضحاً وتجسد في أكثر من موقف وخاصة على صعيد الرأي العام الإسرائيلي وعلى سبيل المثال كتب الصحفي الإسرائيلي المعروف «ألون بن» يقول: «إن سقوط النظام المصري يبقي إسرائيل دون حليف استراتيجي بعد أن انهارت التحالفات السابقة مع إيران وتركيا» بل وذهب إلى أبعد من ذلك ليقول: إن ضعف الولايات المتحدة في المنطقة أصبح ظاهراً وأن إسرائيل ستضطر إلى البحث عن مخرج ومغازلة حلفاء جدد.‏

أما الكاتب الإسرائيلي «أرييه شافيط» فقد ذهب إلى أبعد من ذلك عندما قال: إن عمليتين ضخمتين تحصلان الآن ثورة التحرر العربية من تونس إلى مصر التي ستغير الشرق الأوسط وسقوط نفوذ الغرب وسقوط قدرة الردع الغربية والذي سيؤدي إلى تغيير العالم والنتيجة النهائية ستكون إنهيار هيمنة حلف الأطلسي خلال سنوات وليس خلال عقود.‏

باختصار يمكن القول بأن كل هذا القلق الأميركي الإسرائيلي والتحليلات والآراء حول ما حصل في تونس ومصر مؤخراً تشير بوضوح إلى قلق أميركي إسرائيلي غربي عميق يتجاوز الأحداث الراهنة نحو استشفاف آفاق المستقبل تجاه ما يحدث في الأيام المقبلة بعد انهيار نظام حسني مبارك الذي كان الداعم الأساسي لكل ما تخطط له واشنطن وتل أبيب في المنطقة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية