تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التطـــورات الإقليميـــة والمنعكس الدولي

متابعات سياسية
الأثنين 8-1-2018
بقلم الدكتور فايز عز الدين

إن فاتحة العام الجديد تملك من حساسية المشهد الإقليمي ما يشير إلى أن ثمة متغيرات مهمة على صعيد الخارطة الجغرافية السياسية لم تعد الأدوات الأعرابية،

والمتأسلمة قادرة على إخفاء معالمها، فمن جهة أخذ الجميع الذين يدّعون أنهم حلفاء لأمريكا صفعة من ترامب بقراره حول القدس، وما يتبعه من نوايا واضحة الاعتراف بيهودية الكيان الصهيوني، وضم المستوطنات في الضفة الغربية، وإلغاء قرار العودة 194 لينتهي بذلك الوجود العربي برمّته على أرض فلسطين التاريخية، وتتم تصفية هذه القضية بصفقة القرن التي أعلن عنها صهر الرئيس ترامب، ومستشاره في البيت الأبيض. ومن الطبيعي أن يستعجل ترامب قراره في القدس حتى يختم عامه الأول بما لا يستطيع معه اللوبي الصهيوني في مؤسسات الإدارة الأميركية، الحديث عن فشل ترامب في قيادة أميركا. ومن الطبيعي أن قرار ترامب قد جاء بالتفاهم مع أدواته الأعرابية، وكذلك المتأسلمة، وهو على يقين تام بأن الذين جُنّدوا للفتاوى ضد سورية ووصلت فيهم الفتوى إلى السماح بقتل ثلث الشعب في بلدنا، وكذلك الذين شرّعوا لجهاد النكاح مع الميديا الدولية المساندة، لن يَعنيهِم قرار ترامب في القدس، وقد كان هؤلاء قد أداروا الظهر لاحتلال القدس، وانشغلوا بتحرير كابول من الاحتلال السوفييتي كما كانوا يقولون في الربع الأخير من القرن العشرين المنصرم. نعم لن تتغير صورة الذين يحرضون على دين الله، وإعلاء كلمة الله على الأرض حين يتصل الأمر بإسرائيل، أما حين يتصل الأمر بسورية، أو إيران فنجد فيهم الغيرة على الإسلام بما لا يشقّ لها عجاج. والأمر الذي شهدته أواخر العام 2017 هو تحرك الشعب العربي من مشرق الوطن العربي إلى مغربه استنكاراً لقرار ترامب وعملائه على أرض العروبة خاصة حين تم انعقاد المؤتمر الإسلامي في تركيا، واجتماع الجامعة العربية، ومجلس الأمن، ولم يحصل شيء يوحي بأن الذين يتظاهرون بقيادة الإسلام، والأسلمة سوف يقدمون أي عمل لإنقاذ القدس، وكل ما حدث هو فقط لكي لا يقال: إن القدس ذهبت تحت صمت الجميع. وإذا ما حلّلنا السرعة التي أقدم عليها ترامب بقراره الذي سُمي وعد بلفور الثاني سنرى أنه سَابَقَ زَمَنَ النصر السوري على الإرهاب حتى لا تستطيع سورية تشكيل جبهة عربية تمنع تحقيق القرار، وتفوّت الفرصة على الصهاينة كما كانت قد فعلت في زمن كامب ديفيد حيث منعت تعميمه عربياً، وها هي الدول التي غرقت فيه تتلقى أسوأ النتائج منه، ولا سيما السلطة الفلسطينية. والشيء الذي لم يعد بمكنة الأعراب والمتأسلمين تغطيته هو أهداف ربيع الخراب العربي حيث انكشفت مؤامراته على قضية فلسطين، وعلى مقدسات المسلمين والمسيحيين على حد سواء.‏

والحال الذي حصل لدى أردوغان وما زال يحصل ينبئ بأن الشعب التركي قد فهم الكذبة التي غرر بها أردوغان الناس مدّعياً بأن الأمن القومي التركي يواجه خطراً مما يحصل في سورية ولا بد له من أن يعمل على دفع هذا الخطر. ومنذ بدأ تورّط أردوغان مع الإرهابيين في الحرب على سورية افتقد الكثير من مقومات الأمن والاستقرار في تركيا، والانقلاب الأخير عليه من مجموعة كولن جعله يسجن الآلاف، ويطرد الآلاف من الوظائف الحكومية، وهو الآن، وفي المستقبل لن يستعيد الأمن والسلم الاجتماعي في بلده ما دام على سياسته. وكذلك ما حصل بين الممالك والمشيخات إنْ كان عبر تورّطهم في الحرب على اليمن وفشلهم فيها، أو في علاقاتهم الثنائية بعد أن استولى محمد بن سلمان على السلطة وسجن الأمراء من أولاد عمومته لكي لا يُفتضح أمر المملكة الضالعة مع الصهيونية في الحرب الإرهابية على سورية، والعراق، واليمن، ولبنان.‏

ثم ما حصل بين السعودية وحلفها ضد قطر الأمر الذي سيؤول إلى عقابيل يتفكك معها مجلس التعاون الخليجي حيث كانت الصورة واضحة في اجتماعه الأخير. وبناء على هذا المشهد الذي انكشفت فيه الأهداف الصهيونية من خراب النظام العربي برمته، والانقضاض على الجمهورية العربية، واستخدام ما أطلقوا عليه دولة الخلافة حتى تنطلي المسألة على البسطاء من المؤمنين العرب. نعم كل ذلك قد سقطت مؤثراته العربية على ضوء صمود سورية جيشاً وشعباً، ودولةً، وقوة حلفائها في جبهة المقاومة، ودحر المشروع الأمروصهيوني في منطقتنا، وانتقال الارتدادات التي زعموا أنها سوف تفكّك سورية، وتدمرها إلى الذين استُخدموا في التآمر على شعبهم -هذا إن كانوا عرباً- وعلى أمتهم ووطنهم العربي الكبير. وما يتبادر اليوم، والجيش العربي السوري ينهي الوجود الإرهابي في غوطة دمشق الغربية وصولاً إلى بيت جن، ومغر المير، ويحصّن جبل الشيخ من طرق الإمداد الإسرائيلي للإرهابيين.‏

ثم يتقدم في الغوطة الشرقية، وشمال حماة ويدخل ريف إدلب الجنوبي ويغدو تحرير إدلب قاب قوسين؛ كل ذلك يحصل والتحضير لأستنة القادم قائم كما يلزم، والتحضير للمؤتمر الوطني للحوار في سوتشي يسير وفق ما هو مخطط له؛ مع التأكيد منا على حسن اختيار التمثيل حتى تأتي حوامل هذا الحوار بالنتائج التي تليق بالنصر السوري الذي سيتم الاحتفال فيه خلال هذا العام إن شاء الله. ووفقاً لمقتضاه أصبح بإمكاننا أن نقارب حقيقة المشهد لسوريا بعد الحرب الإرهابية عليها بأن تكون النموذج العربي الذي طالما خشيت منه الأدوات الصهيونية من الأعراب، والمتأسلمين. فالمؤتمر الوطني للحوار السوري-السوري إذا كانت الظروف قد حكمت أن يُعقد في سوتشي فالمرجو أن تكون الجلسة الثانية في دمشق.‏

وكم تمنينا أن لا نبقى على جنيف، وأستانا، وأن تكون آلية الحوار الوطني سوريةً، وفي سورية. وما ينتظره شعبنا اليوم هو تتويج النصر العسكري مع حلفائنا المخلصين بنصر على مستوى الوحدة الوطنية للشعب من خلال الحوار المشترك واللقاء على المشتركات الوطنية، فالمؤامرة -ولو انه تم كسر جناحها الإرهابي العسكري- ما زالت أذرعها الخفية تحتاج للمزيد من المتابعة، وما الأحداث التي خططوا لها أن تحصل في إيران إلا إرهاصات جديدة تنمُّ عن استمرار عناد المخطط الأمروصهيوني أعرابي أردوغاني حتى لا يعترفوا بالهزيمة المدوّية، فيخرجوا من منطقتنا إلى الأبد. نعم لا بد من تواصل العمل الوطني الداعم للنصر الميداني لجيشنا الباسل وحلفائه الصادقين، وهذا ما سوف تنهض به هممنا جميعاً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية